هي الأساس
الذي وضعته العناية لبلوغ الإنسان إلى ما قدّر له من الغاية.
والمناكر
لها مكابر، يجحدها بلسانه وهي قائمة بعيانه مسيطرة على كلّ إراداته وسلطانه، لا
ينفكّ عنها لحظة ولا يفارقها آونة..
وهي
الحكم على الإنسان، والقاضية عليه بالردّ والقبول.
ولا
تعمل الأدلّة والبراهين هنا شيئاً، بل تقف أمام الوجدان وبين يديه خاضعةً له.
والمرجع
في ذلك إلى صميم الإنسان وما يحسّ به من نفسه ويتقاضى به في محكمة إنصافه وعدله
وصحّة نواياه في طلب الحقّ، وإلّا فميدان الجدل والجحود سهل واسع يقتدر عليه كلّ
ذي شفة ولسان.
وقد
اندفعت القرائح والطباع إلى مضمون هذه الجملة- على بساطتها- ونظرت إلى تحكيم قضاء
الوجدان من وراء ستار في أمثال قوله:
أنت
تجد الفرق بين مقام الاقتناع والإذعان النفسي وبين مقام الجدل القولي والجحود
اللساني، وما أكثر ما يختلف ويتخلّف الظاهر عن الباطن والصورة عن الحقيقة!
فكم
من شخص تعترف في نفسك بفضله، وتقتدر أو تفعل بدافع الحسد على جحوده ومناكرته وهضم
حقوقه! قل لي بأبيك القريب (الإنسان لا القرد!) لو أنّ أحداً ادّعى أنّ النار
مظلمة وأنّ الدخّان مضيء، بأيّ شيء تدفعه [إلّا بأنّه] خلاف الوجدان والبداهة،
وإلّا
[1] هذا البيت لأبي الطيب المتنبّي، ولكن ورد:(
الأفهام) بدل:( الأذهان). راجع ديوانه 2: 95.