وقد كرّرنا القول بأنّ الكلام ليس‌في‌صحة مااستلهمه العرفاء والمتصوفة وعدمها، بل الكلام في أنّ منشأ هذه الاستلهامات هل هي منابع إسلامية أو من خارج الإسلام‌[1]؟

القرن الأوّل‌

من المسلم به أن لم يكن في صدر الإسلام ولا فى القرن الأوّل جماعة يعرفون بالعرفان أو التصوّف بين المسلمين، بل إنّما نجد اسم «الصوفي» فى القرن الثاني الهجري، قيل: إنّ أوّل من دُعي بهذا اللقب أبوهاشم الكوفي الصوفي في القرن الثاني، وهو أوّل من بنى «الخانقاه» في رملة فلسطين لعبادة جماعة من العباد والزهاد

[1] ذكر الأُستاذ المؤلف الشهيد( قدس سره) ما يدعيه العرفاء لانفسهم وما يبرأون منه، ثم ذكر آراء الآخرين بشأنهم على التوالي:

أ- نظرية جماعة من المحدّثين والفقهاء.

ب- نظرية جماعة من مثقفي العصر الحاضر.

ج- نظرية المحايدين القائلة بوجود انحرافات ومبتدعات كثيرة في التصوّف والعرفان العملي مما لايوافق كتاب الله ولا السنة المعتبرة، وبوجود أخطاء لهم في العرفان النظري أيضاً، من دون أن يكونوا يضمرون السوء للإسلام. ثم رجح الأُستاذ المؤلف هذه النظرية الثالثة ونبّه على لزوم تحقيق المتخصصين في المعارف الإسلامية، في مدى توافق العرفان مع الإسلام. ثم طرح مسألة المنابع الأُولى للعرفان والتصوّف، فجاء هنا بنظريات ثلاث:

1- مدّعى العرفاء أنفسهم بأنّ العرفان كسائر العلوم الإسلامية من الإسلام المحض.

2- مدّعى المستشرقين وجماعة من المسلمين: بأن منابع العرفان الأُولى من غير الإسلام: إمّا من الرهبنة المسيحية، أو الفلسفة الأفلاطونية، أو الأفكار البوذية أو اليهودية أو الآرية الإيرانية ضد العرب والإسلام!

3- أنّه من الإسلام ولكنه لم يتخلص من تأثير الأفكار الكلامية والفلسفية ولا سيما الإشراقية. وهنا أيضاً أختار الأُستاذ المؤلف الشقّ الثالث وقال بشأن النظريتين الأُولى والثانية:« والحقيقة: أنّه لا يمكن تأييد نظرية هذه الفرقة ...».

وقال بشأن تأييد النظرية الثالثة:« ونحن هنا نأتي بمطالب تفيد أن تعاليم الإسلام الأصيلة كانت ...».

وفي الوقت نفسه كرّر التنبيه على التحريفات فيه فقال:« أمّا كم أفاد العرفاء من هذه التعليمات وكم انحرفوا عنها فهو بحث لايمكننا التعرض له في هذا المختصر». ولنعلم ما أفاد الأُستاذ بهذا الصدد-( المعرّب).