اسم الکتاب : الإسلام و إيران، عطاء و امتنان المؤلف : المطهري، الشيخ مرتضى الجزء : 1 صفحة : 243
عبادة
النيران
إنّ
من إحدى المسائل المهمّة والتي ينبغي الإلتفات إليها بشأن النظام الفكري و
العقائدي و العملي للزرادشتية عند ظهور الإسلام، هي مسألة تعظيمهم للنار وتقديسهم
و عبادتهم لها.
ولهذا
العمل عندهم سوابق زمنية منذ أقدم الأدوار التاريخية وهي باقية حتى اليوم! يقول
الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عليّ بن سينا الفيلسوف في الفصل السابع من الفن
الثاني من فنون «الشفاء»:
«...
وطبقات من القدماء المائلين الى القول بالأضداد وبأنّ الضدّين مبدءان للكل،
والواقفين في ذلك الى جانب القول بالخير والشر والنور والظلمة ... أفرطوا في تمجيد
النار وتعظيم شأنها وأهلوها للتقديس والتسبيح، وكل ذلك لنورها وإضاءتها، ورأوا أنّ
الأرض مظلمة لايستضيئ باطنها بالفعل ولا بالقوة فأهّلوها للتحقير والذم»[1].
ونحن
إذا اعتمدنا على قول هذا الفيلسوف رأينا: إنّ عبادة النيران إنّما نشأت من فكرة
الثنوية في الوجود وفلسفة الخير والشر والنور والظلمة ... أما إذا قبلنا مايدعيه
المحققون المتأخرون قلنا: إنّ سوابق عبادة النيران ترجع الى أدوار عبادة مظاهر
الطبيعة، وكان الإنسان إذّاك يعبد كل شيء مفيد كي يفيده أكثر ويعبد كل شيء مضر
كي يأمن من شره، وكان المعنى: أنّ الإنسان قبل أن يلتفت الى مسألة الخير والشر
بشكلها الفلسفي، أي قبل أن يرى كل شيء مزيجاً من عنصري الخير والشر والنور
والظلام، قبل هذا كله كان يعبد النيران، وأنّ الإنسان في تلك العهود إنّما كان
يقسم جميع الأشياء الى قسمين مهمّين: أحدهما حسن جميل، والآخر: شر مضر، ويجعل لكل
قسم من هذين ربّاً خاصاً: خيراً أو شراً! أما أن يرى أنّ كل موجود مركب من عنصرين
مزيجين ضدّين، فإنّما هذا من أفكار عهود التكامل الفكري