لا
شك في جريان الاصول العملية الشرعية عند الشك في الحكم التكليفي الواقعي لتنجيزه،
كما في اصالة الاحتياط، أو للتعذير عنه، كما في أصالة البراءة. و لكن قد يشك في
التكليف الواقعي، و يشك في قيام الحجة الشرعية عليه بنحو الشبهة الموضوعية- كالشك
في صدور الحديث- أو بنحو الشبهة الحكمية- كالشك في حجية الامارة المعلوم وجودها-
فهل يوجد في هذه الحالة موردان للأصل العملي، فنجري البراءة عن التكليف الواقعي
المشكوك و نجري براءة اخرى عن الحجية أي الحكم الظاهري المشكوك .. أو تكفي البراءة
الاولى؟. و بكلمة اخرى انّ الاصول العملية هل يختص موردها بالشك في الاحكام
الواقعية، أو يشمل مورد الشك في الاحكام الظاهرية نفسها؟
قد
يقال: بأننا في المثال المذكور نحتاج الى براءتين، إذ يوجد احتمالان صالحان
للتنجيز، فنحتاج الى مؤمّن عن كل منهما، أحدهما:
احتمال
التكليف الواقعي، و لنسمّه بالاحتمال البسيط. و الآخر:
احتمال
قيام الحجة عليه، و حيث انّ الحجية معناها ابراز شدة اهتمام المولى بالتكليف
الواقعي المشكوك- كما عرفنا سابقا عند البحث في حقيقة الاحكام الظاهرية- فاحتمال
الحجة على الواقع المشكوك، يعني احتمال تكليف واقعي متعلق لاهتمام المولى الشديد و
عدم رضائه بتفويته، و لنسمّ هذا بالاحتمال المركب. و عليه فالبراءة عن الاحتمال
البسيط لا تكفي، بل لا بدّ من التأمين من ناحية الاحتمال المركب أيضا ببراءة
ثانية.