التنافي
أولا. و مثاله المقصود حالة طروّ الاضطرار بسوء الاختيار.
و
توضيحه انّ الانسان تارة يدخل الى الأرض المغصوبة بدون اختياره، و اخرى يدخلها
بسوء اختياره، و في كلتا الحالتين يصبح بعد الدخول مضطرا الى التصرف في المغصوب
بالمقدار الذي يتضمنه الخروج، غير انّ هذا المقدار يكون مضطرا اليه لا بسوء
الاختيار في الحالة الاولى و مضطر اليه بسوء الاختيار في الحالة الثانية. و يترتّب
على ذلك انّ هذا المقدار في الحالة الاولى يكون مرخّصا فيه من قبل الشارع، خلافا
للحالة الثانية، لأنّ الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي المسئولية و الإدانة، كما
تقدم، و لكنّ النهي ساقط على القول المتقدّم بأنّ الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي
الاختيار عقابا، و ينافيه خطابا.
و
عليه فلو كان وقت الصلاة ضيّقا، و كان بإمكان المكلّف ان يصلّي حال الخروج بدون أن
تطول بذلك مدة الخروج، فصلّى بنفس خروجه، فهذه صلاة في المكان المغصوب، و لا شك في
وجوبها في الحالة الاولى، لأنّ الخروج باعتباره مضطرا اليه لا بسوء الاختيار، غير
منهيّ عنه منذ البدء. و أما في الحالة الثانية فقد يقال بأنّها منهي عنها و مأمور
بها، غير انّ النهي و الأمر غير متعاصرين زمانا، و من هنا جاز ثبوتهما معا؛ و ذلك
لأنّ النهي سقط خطابا بالاضطرار الحاصل بسوء الاختيار، و إن لم يسقط عقابا و
إدانة، و الأمر توجّه الى الصلاة حال الخروج بعد سقوط النهي، فلم يجتمعا في زمان
واحد.
و
لكن التحقيق ان ذلك لا يدفع التنافي بين الأمر و النهي، لأنّ سقوط النهي لو كان
لنسخ و تبدّل في تقدير الملاكات، لأمكن أن يطرأ الأمر بعد ذلك. و أمّا إذا كان
بسبب الاضطرار بسوء الاختيار الذي هو