الالتزام يقتضي القرينة الموجبة لنقل الذهن
من الملزوم إلى اللازم فيكون المعرِّف واقعاً هو تلك القرينة مع الفصل أو الخاصة
وعليه فلم يمكن التعريف بهما وحدهما. وجوابه أما عن التعليل الأول فيظهر الحال فيه
مما ذكرناه في جواب الإيراد الخامس على تعريف المتقدمين للمعرِّف و أما عن التعليل
الثاني فيعلم مما ذكرناه في جواب الإيراد السابع على تعريف المتقدمين للمعرِّف و
أما عن التعليل الثالث فانّ المعرَّف ليس سنخه من سنخ الدال و إنما هو احضار
للشيء بنفسه أو بوجهه. و الاحتياج إلى القرينة لا يضر بالتقسيم فانّ الغرض كما
عرفت غير مرة انَّ المراد انَّ التعريف بهما بدون الجنس القريب ولو انضم إليهما
ألف قرينة يكون تعريفاً ناقصاً.
اختصاص الحد التام بمعرفة الكنه
(خصوا الحد التام بأنه الموصل إلى الكنه دون غيره). ويرد عليهم
إيرادات ثلاثة.
أولًا: إن بعض الرسوم قد توجب الاطلاع على الحقائق لأن المعرِّفات و
الحجج إن قلنا: انَّها معدات لفيضان المطلوب من المبدأ الفياض فيجوز أن يستعد
الذهن القوي لفيضان كنه الحقيقة بمجرد تصوُّر الخواص. وإن قلنا: انَّها أسباب
لحصول المطلوب في الذهن فيجوز أن يكون لبعض الخواص نسبة مخصوصية للماهية وملازمة
ذهنية بينهما بسببها يحصل كنه الشيء عند حصول تلك الخاصة فانّ الذهن قد ينتقل إلى
الضد بمجرد خطور الضد الآخر فيه. ولعل البسائط الذهنية من هذا القبيل إذ حقيقتها
وماهيتها لها صورة واحدة لا تعدد فيها حتى يُعرَّف إحداهما بالاخرى بخلاف الماهيات
المركًّبة فانّ ماهياتها لها صورتان إحداهما إجمالية و الأخرى تفصيلية مركَّبة من
جنس وفصل فيطلب تعريف الأولى بالثانية. وبعبارة أخرى انَّ الصورة الكاسبة لطبيعة
البسيط إن كانت عينها كانت طبيعة البسيط موجودة في الذهن و إنما أتى بلفظ آخر
مرادف لها ويكون من باب التعريف اللفظي وإن كانت غير صادقة عليها كانت وجهاً لها
ويكون التعريف رسماً فالبسيط لا يمكن كسب كنهه إلا إذا قلنا: انَّ الخواص التي هي
وجهاً له موجبة لحضور نفس كنهه في الذهن. وجوابه إنَّ التعريف هو صورة الشيء
الحاكية عنه فهي لا تحكي إلا عما هو صورة له وليس لها أدنى استعداد أو سبب للحكاية
عن غيرها و إلا لصلح أن تحكي صورة كل شيء عن كل شيء ومن المعلوم انَّ صورة الوجه
لا تحكي إلا عن الشيء بذلك الوجه و أما إذا قلنا: بأن الأشياء توجد نفسها في
الذهن فليس التعريف إلا إيجاد نفس الشيء في الذهن فتارة يوجد بنفسه واخرى بوجهه
وخاصته فالأمر أوضح إذ ان خاصة الشيء إذا وجدت في الذهن كان الشيء بوجهه موجوداً
فيه لا نفسه وحقيقته. و أما دعوى إمكان التلازم الذهني فهي أجنبية عن المقام لأن
هذا ليس من التعريف في شيء إذ لو فرض انَّ بالتعريف بالوجه تحصل صورة الشيء
بوجهه وصورته بكنهه وحقيقته كان المكتسب بالتعريف هو الصورة بالوجه لأنه وقع
التعريف بها دون غيرها من لوازمها وتوابعها ولذا لا يصح أن يعرَّف أحد الضدين
بالآخر وإن كانت بينهما ملازمة. مع انّ التلازم الذهني إنما يتصور فيما إذا كان كل
منهما حاضراً في الذهن قبل التعريف. و التلازم بين الضدين إنما يوجد لأجل تكرار
اقتران وجودهما. و التحقيق في البسائط أما أن يقال: إنَّها بديهية كلها لأن
تصوُّرها لا يحتاج إلى ترتيب أمور فهي لا تحتاج إلى التفكير و الكسب بل بمجرد
الالتفات إليها تحصل حقائقها في الذهن بلا كاسب أو يقال: انَّ النظري منها يحصل
باستقراء نوع أفراده فتحصل حقائقها بالتحليل و التقسيم. ودعوى انَّ الماهيات
البسيطة لما لم يكن لها جنس وفصل لا يمكن