أهل الأهواء و ذوي النفوذ و السلطان و يمكن
أن يقال في ردهم أن الاحكام لما كانت تابعة للمصالح و المفاسد و دائرة مدارها لكون
الشرع إنما جاء لسعادة البشرية لا لشقائها و معالجة مشكلات الحياة و مسالكها كان
للعقل مجال لمعرفة الحكم الشرعي إذا أدرك المصلحة و المفسدة من دون توقف على النص
الشرعي و بهذا الاعتبار نقول: إن الحكم الشرعي تابع لعلته وجودا و عدما من جهة
إشتمال علته على المصلحة و المفسدة و القائلون بالتحسين و التقبيح العقليين لا بد
لهم من الالتزام بذلك إذا أدرك العقل المصلحة القائمة في العمل الموجبة لحسنه
العقلي للملازمة بين الحسن العقلي و الحسن الشرعي الموجب للحكم عليه.
إختلاف الاحكام باختلاف المصالح و المفاسد:
و لما ذكرناه وقع النزاع في تغيير الاحكام و تبدلها تبعا لتبدل
المصالح و المنافع و تغيرها و إن خالفت النص و الاجماع لأن عدم التبدل يوجب الضرر
و الحرج و الشريعة الأسلامية تأباه لأنها قد جاءت لكل زمان و مكان ما دام الدهر
فلا بد أن تساير شؤون للناس و مصالحهم و ذلك لا يكون إلا إذا التزمنا بتبعية
الاحكام للمصلحة و يؤيد ذلك وقوع النسخ في الشريعة و التدرج في بلاغ أحكامها فإنه
لا يكون ذلك إلا لمراعاة مصلحة المكلفين و إن ذلك ليس تقديما للمصلحة على النص و
إنما هو تفسير و تقبيد للنص بحكم العقل فإنه نظير ما لو قال: إقتل الاعداء فإن
العقل يقيده بغير الذي فيه مصلحة في بقائه لعدم قيامه بالضرر و الفساد، فمثلا
الاضاحي كانت لا تخرج من منى لقلة الحجيح أما اليوم بعد كثرتهم و زيادتهم زيادة
أوجب الفساد و الضرر في بقائها فالحكم يتغير و يوجب إخراج ما فضل منها أو ذبحه في
خارجها،