responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تقريح العصا في الرق و النخاسة و الخصا المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 305

وكان المتاجرون بالرقيق سنة 1865 م، في السودان ذوي عصابات قوية الشكيمة، لها سطوة ونفوذ، لا مثيل لها، ولما كانت تجارتهم لا تطابق القانون، كانوا يقصدون الجهات الخالية من نفوذ الحكومة. وفي سنة 1869 م كان أشهر مركز لهم في شكا عند بحر الغزال، وكان الزعيم المطاع الزبير باشا، قد بنى له قصرا يشابه قصور الملوك وله جيش منظم بالسلاح الكامل، من النخاسين باعة الرقيق، والمحنكين في اقتناصه ليبعث بهم إلى القبائل، فينقضون عليها ويخطفون أبناءها وقد كتبت عصبة الأمم إلى الحكومة المصرية سنة 1930 م، تستفسر عما تقوم به من التدابير لمقاومة الاتجار بالرقيق. ولما كانت أعمال الرقيق متعلقة بالسودان، أي بالبند (13) كتبت حكومة مصر لحكومة السودان بأنها جزء منها تستفهم منها عن الرد الواجب تحريره. أما حكومة السودان فلم تجب حكومة مصر، إنما أجابت العصبة بلا واسطة، وقدمت الأساليب التي اتخذتها لمقاومة الاتجار بالرقيق.

كانت تجارة الرقيق شائعة في السودان فأبطلت بمساعي إنكلترا على يد غردون باشا[1] وغيره. وكان ذلك من أكبر دواعي الثورة المهدوية،


[1] عن المقتطف جزء 4، مجلد 82، ص 453، أبريل سنة 1933 م. وكان غردون باشا يعرف أن أواسط أفريقيا أكثر رواجاً لأسواق النخاسة فكان تعيينه حاكماً عاما للأقاليم الاستوائية يفسره بأنه وسيلة لمحاربة الرق في منبعه وقد كتب إلى شقيقته سنة 1873 م وهو في لجنة الدانوب قبل قبوله المنصب المصري أن الله أذن في ترك النخاسة وشأنها هذه السنين الطوال ولما كانت قد خُلقت مع القوم فهي في حاجة إلى أكثر من حملة لاستئصال شأفتها( وكتب إليها بعد أسبوع) أعتقد إذا استقرت أحوال السودان، أن الخديوي يمنع الاتجار بالرقيق، ولكنه لا يرى السبيل إلى ذلك واضحاً، حتى يتمكن من التجول في البلاد، ومن رأي أن نفتحها بجعل البواخر تصل إلى البحيرات وفي أثناء ذلك أهتدي إلى النخاسين فأسأل الخديوي أن يقبض عليهم، وقد رأى غردون باشا أن النخاسة جزء لا يتجزأ من بناء أفريقيا الاقتصادي فلذلك عزم أن يناوئها لفتح الأقاليم الاستوائية في وجه الحضارة، وقد ولي الميجر وليم كمبل الأمريكي منصبا حربيا تحت قيادته لمقاومة تجارة الرقيق ولكنه توفي بالحمى. وقد طلب غردون باشا من الخديوي ووزارة الحربية في لندن طلب أثاوة مقاومتهما معا وهو تعيين النخاس العربي المشهور المسمى أبو السعود في خدمته وكان سلفه السر صموئيل باكر قد قال( عن أبي السعود أنه مجرم لا يصلح وشهر به في العالم قائلًا: إنه أعظم نخاسي أفريقيا ولكن ذلك كله لم يمنع غردون من أن يطلب إطلاق سراحه وتعينه في خدمته حاذيا في ذلك حذو باكر نفسه إذ جمع حرسا له من المجرمين ومعتادي الإجرام وهم من الذين سماهم في أحد كتبه( اللصوص الأربعين) فحولهم من لصوص إلى حفظة للأمن منفذين للقانون لم يخونوه مرة واشتهروا بالبسالة والإخلاص والأمانة. ولما سافر من أفريقيا عين( وات المك) من كبار النخاسين سابقا لحفظ النظام في السودان إلى حين وصول غردون ولكنه صرف أبا السعود على عجل لأنه لم ينفعه وكتب باكر ينتقد غردون في الشمس على تعيين أبي السعود. ومن أغرب ما روي عنه في أوائل مقاومته للنخاسة أن أول سرب من الرقيق أسره من النخاسين كان مؤلفا من فتيات سودانيات جي‌ء بهن من بلدان تبعد مئات من الأميال. وقال في نفسه ماذا تريد هذه الفتيات حقيقة غير الزواج؟ ثم أمر بهن فحضرن أمامه فسألهن هل تتزوجن من جنودي فأجبنه بصوت واحد نعم والتفت إلى جنوده فسألهم بالسؤال عينة فأجابوا بما أجابت به الفتيات. فقال: يا بنات اخترن أزواجكن ففعلن فزوج الفتيان بالفتيات. وكتب في مذكرته 19 سبتمبر سنة 1822 م لقيت صباح هذا اليوم قافلة من الرقيق يبلغ عددها 60 أو 70 رجلًا وامرأة وولداً وهم موثقون بالحديد فماذا أصنع بهم فإذا اطلقتهم من يعنى بهم ويطعمهم، ومنازلهم بعيدة من يعيدهم إليها لذلك قررت أن أكره النخاس الذي معهم على فك قيودهم وإبقائهم معه والحق أن النخاس لم يؤذِ أحد بشرائهم لأن شراء الرقيق محلل في مصر ولم يأخذهم من منازلهم ولا علاج لهذه الحالة إلا وقف النخاسة على الحدود، وبقى غردون يناوئ النخاسة حتى تخلى إسماعيل باشا عن عرش الخديوية سنة 1879 م ثم لما عاد مرة ثانية إلى القاهرة وطلب انضمام الزبير باشا إلى بعثته فاستنكر غلادستون ومن لف لفة من كارهي النخاسة هذا الطلب لاشتهار الزبير بها ووافقهم اللورد كرومر على هذا الاستنكار وأخيرا قنع بذلك. ولقد حملت عليه الجمعية المضادة للرقيق حملات منكره ولكن غلادستون بقي مصراً على الامتناع إلى أن ذهب غردون إلى قبره.

اسم الکتاب : تقريح العصا في الرق و النخاسة و الخصا المؤلف : كاشف الغطاء، الشيخ محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 305
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست