responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 30

كلمة في خدمة الدين للإنسان‌

بسم الله الرحمن الرحيم‌

إن للإنسان بشكله الفردي أو شكله الاجتماعي مهما بلغ من درجات الرقي والكمال حب اللذات واستئثار بفواتن الحياة، وهذا الحب وإن جرَّ للإنسان الخير وجعله طالباً للسعادة والهناء إلَّا أنه لا يزال يدفعه للتغلب على الغير والسيطرة على مقدرات الحياة، فتجد الفرد يسابق الآخر ليكسب المغنم لنفسه دون غيره، وتجد الأمة تطاول الأخرى لتفوز بالفائدة لذاتها دون غيرها، وما الصراع القائم بين الأمم في هذا الزمن الذي كاد أن يضرم البشرية بنار يفنى فيها الصغير والكبير، ويلتهب بها اليابس والأخضر إلا نتيجة لحب الأمم لذاتها، ولا تستطيع أشد القوانين المدنية الصارمة مهما صقلتها العقول أن تقف دون هذه الغدة النفسية التي لازالت تفرز أشد الويلات على البشرية ما لم يكن الرادع فطريا مثلها يغزوها في وكرها، ويقضي عليها في مستقرها وليس هو إلا الفطرة الدينية المتركزة في النفوس، فإنها هي التي تصرعها في مغرسها وتسيرها نحو سعادة البشرية وخيرها، وإن كثيرا من الملحدين قد أدركوا هذه الحاجة للوازع والرادع ولكن روحهم الإلحادية لا تتركهم يتدانون للحق فيعترفون إن غير الدين لا يمكن أن يكون رادعا لتلك الغريزة الحيوانية وليست أحكام الحقوق وقواعد الأخلاق كافية لدوام نظام المجتمع، والحالة إن الإنسان مفطور على حب نفسه وإيثارها على غيره، ولا يتحاشى عن أضرار الناس ما رأى نفسه بعيدة عن مراقبة القانون ما لم يشعر بمراقبة غيبية تطلع على مستسر سره ومكنونات نفسه أينما وجد وأينما حل، وهذا لا يتوافر ما لم نحي به الغريزة الدينية والإيمان بالمراقبة الإلهية والخوف الشديد من التجاوز على شريعته الدينية.

ولعل أحسن شاهد نقيمه على ذلك هو أنك لو فتحت دفاتر الجرائم في محاكم العدل في سائر الدول الكبيرة والصغيرة لا تجد في المجرمين من المؤمنين واحدا من ألف وهذا الاستقراء أول دليل على محاربة العاطفة الدينية لأسباب الإجرام وموجباته، ألا وإن عدم إدراك الشعوب للقيم الروحية وعدم التفات حكوماتها لمحاسن الثقافة الدينية، جعلها بعيدة عن هذه الناحية، فسنت قوانين صارمة وفتحت مدارس جامعة لو أنفقت البعض من ذلك في إضافة الثقافة.

رسالة الدين‌

بسم الله الرحمن الرحيم‌

للدين رسالة تفوق كل رسالة يعترف فيها العالم والجاهل والقوي والضعيف والعاصي والمطيع، ومعنى هذا أن مكانه على منصة عرش الشرف، وعلى سرير المجد فهو تاج كل إنسان، وطلسم كل شريف، ومسير كل سائر، وراسم كل آثار الخير، وموجه الإنسان إلى السعادتين، وجعله مرتاح في الدارين سعيد البال في الدنيا والآخرة وإن الدين فطري في كل إنسان، ومعنى هذا إنه يولد منذ أن يولد الإنسان ويلازمه إلى آخر لحظة في حياته وإلى آخر نقطة من نهاية مسيره، وهو يعطيه بديهيات واضحة ونواميس ثابتة وقواعد مسطرة يرسمها له ويوضحها بخطوطها العريضة وحروفها الواضحة كي يتم رسالته، ويصل إلى غايته، وهو يفتح الأفكار وينوّر الأذهان ويطرق بواسطته أبواب العلم، وتقلع جراثم الجهل، وتستأصل الفتنة من بني البشر. فالدين كان وما يزال وسيكون في كل زمان ومكان لا تختلف رسالته بين بقعة وأخرى أو بين بلد وبلد، وهو خضوع كل إنسان في هذا الكون إلى قوة مدبرة حكيمة أزلية أبدية عادلة، وإنها هي التي أبدعت هذا الكون ونظمته على أحسن تنظيم، ونسقته على أروع تنسيق، وسيرته على أفضل نظام تؤثر في الأشياء ولا تؤثر الأشياء فيها وهي تعطي الحياة لكل موجود خارجة عن اعتبارات الزمان والمكان قائمة بدون مقوم سائرة بدون مسير ترجع علل الموجودات كلها لها ولا ترجع علتها إلى أحد، وفوق ذلك أن الدين أكبر رادع للنفوس، قل لي بأبيك وأمك وأخيك لولا الدين كيف يكون حالك؟ أي رادع يردعك عن النزول إلى حضيض البهيمة؟ أو أي عثرة تقف في طريقك إذا سرت في هواك كيف يكون حالك؟

وبعد هذا الكلام الطويل، والقول العريض، قد أحطت بالدين من جميع جهاته، وتعرفت عليه بكامل صفاته، وفهمتك جوهر وجوده، وكيف إن الإنسان محتاج إليه لا يستطيع أن ينفك منه، لكن هناك من بفكري يريد التوضيح أكثر، فمسكت بالقلم وأخذت اسود الصحيفة وأملأ الأسطر وأحببت أن أجاريه وأسيره كي لا يسير تبع الضلال.

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 30
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست