responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 3

يظهر منهم أن الصلاة التي تكون فيها النيابة عن الغير وباسم الغير تقتضي ان يتصور نفسه نفس الغير وأنه تجسدت روح الغير فيه. ولا تنحصر الصلاة عندهم في موضع خاص، ولا في زمن معين بل تجوز عندهم في أي موضع كان، وفي أي وقت يكون. ولكن اللائق عندهم حفظ أوقات معينة للصلاة، فإن اليهود يصلون عند الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة من النهار وعند بداية الليل ونهايته وعند متناول الطعام، وعند المسيحيين في طقوس الشرقيين الروم المفروضة إقامتها عندهم كل يوم بعد صلاة الغروب في مدة الأربعة عشر يوما التي يصومونها للسيدة مريم العذراء مبتدئين بها من أول شهر آب، تتضمن طلبات وتوسلات ثم في أواسط هذه الصلاة يصرخ المرتل بأعلى صوته قائلا: (فلتخرس شفاه الذين لا يسجدون ولا يقنتون لك المقدسة يا والدة الإله الطهر التي أهديتينا إلى الأمانة المستقيمة). وحينئذ كل من في الكنيسة يسجد ويقبل الأرض أمام تلك الصورة لمريم المنصوبة أمام هيكل على مائدة مرتفعة وهي مغطاة الرأس والشموع متقدة أمامها.

الصلاة في الإسلام‌

والذي يظهر من الأخبار أن الصلاة شرعت في أول البعثة، فإنها دلت على أن النبي (ص) لما أتى عليه سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتيا أتاه فيقول: (يا رسول الله) فينكر ذلك، فلما طال عليه الأمر وهو يرعى غنما لأبي طالب بين الجبال فنظر إلى شخص يقول له: يا رسول الله، فقال له: من أنت؟ قال: أنا جبرائيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولا، فأخبر النبي (ص) خديجة بذلك، فقالت: يا محمد أرجو أن يكون كذلك. وكان يكتم رسول الله ذلك فنزل عليه جبرائيل بماء من السماء، وعلمه الوضوء بأن يغسل الوجه واليدين من المرفقين ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين، وعلمه الركوع والسجود. ولما تم عمره الشريف أربعين سنة بعثه للعالمين رسولا، يوم الاثنين سبعة وعشرين من رجب. وعلَّمه جبرائيل إذ ذاك حدود الصلاة، ولم ينزل عليه أوقاتها، فكان يصلي ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي. وكانت الصلاة فرضا عليه وسنة لأمته، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه ومعراجه، وفي اليوم الثاني من البعثة وهو يوم الثلاثاء دخل عليه علي (ع) فلما نظر إليه يصلي قال: يا أبا القاسم ما هذا؟ قال هذه الصلاة التي أمرني الله بها، فدعاه إلى الإسلام، فأسلم وصلى معه وأسلمت خديجة، فكان لا يصلي رسول الله إلَّا وعلي إلى جنبه وخديجة إلى خلفه، ولما مضى على ذلك أيام، دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله (ص) ومعه جعفر فنظر إلى رسول الله وعلي بجنبه يصليان فقال أبو طالب لجعفر: صلِّ جناح ابن عمك، أي قف جنب رسول الله (ص) فكان علي (ع) إلى جانب رسول الله وجعفر إلى جانب رسول الله (ص) الآخر ليتم جناحاً رسول الله، وقد تكرر هذا العمل من أبي طالب (ع). ففي الخبر أن أبا طالب خرج من منزله من شدة الغيظ متفقدا النبي (ص) وعلي (ع) حتى صار إلى جبل من جبال مكة فصعد مع جماعته إلى قمته فإذا بالنبي (ص) وعلي (ع) عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان، فقال أبو طالب لجعفر ابنه: صلّ جناح ابن عمك ففعل. وفي خبر آخر مرّ أبو طالب ومعه أبنه جعفر بالنبي (ص) وهو يصلي وعلي (ع) عن يمينه فقال أبو طالب لجعفر صل جناح أبن عمك ففعل. ثم أسلم زيد بن حارثة عبد رسول الله (ص)- فكان يصلي خلف رسول الله (ص) وعلي (ع) وجعفر وخديجة وزيد بن حارثة، وأتى على ذلك ثلاث سنين بعد البعث متخفيا من قريش وطواغيتها، ومن الناس وجبابرتهم، ويترقب أمر ربه لينجز رسالته على الوجه الأكمل. فأنزل الله تعالى [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‌] وكان الذين استهزءوا برسول الله (ص) خمسة: الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث، والحارث بن طلالة الخزاعي، فقام رسول الله (ص) على الحجر وقال: يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وآمركم بخلع الأصنام والأنداد، فأجيبوني تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكاً في الجنة. فاستهزءوا منه، وقالوا: جن محمد بن عبد الله ولم يجسروا عليه خوفا من أبي طالب (رضى الله)، وكان النبي (ص) إذا صلى بين الركنين الأسود واليماني جعل الكعبة بينه وبين الشام بحيث يكون اتجاهه (ص) في صلاته للكعبة وبيت المقدس ما دام في مكة المكرمة. وفي ذات يوم دخل (ص) الكعبة وافتتح الصلاة. فقال أبو جهل: من يقدم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته، فقام ابن الزبعرى وألقى عليه فرثا، وجاء أبو طالب (رضى الله) وقد سل سيفه وأمر عبيده أن يلقوا السلى عن ظهره ويغسلوه ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروا على اسبلتهم بذلك.

ويروى عن عفيف التاجر أنه قال: قدمت منى أيام الحج، وكان العباس بن عبد المطلب تاجراً، فأتيته أبتاع منه وأبيعه فبينما نحن كذلك إذ خرج محمد من خباء، فنظر إلى السماء فلما رأى الشمس قد زالت قام يصلي تجاه الكعبة، ثم خرجت امرأة فقامت تصلي خلفه وخرج غلام يصلي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين. فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وهذه امرأته خديجة آمنت به، وهذا علي بن أبي طالب آمن به.

وعن‌ المناقب‌ لإبن شهر آشوب: أن النبي (ص) لم يشرع العبادات مدة إقامته بمكة إلَّا الطهارة والصلاة، وكانت فرضاً عليه لأمته. ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه إلى أن قال: فلما تحول (ص) للمدينة فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شعبان، وفي هذه السنة حولت القبلة وفرض زكاة الفطر وشرع فيها صلاة العيد، وكان فرض الجمعة في أول الهجرة بدلا من صلاة الظهر، ثم فرضت زكاة الأموال، ثم الحج والعمرة، ثم فرض الجهاد، ثم ولاية أمير المؤمنين (ع) ونزلت آية [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‌].

والحاصل أن الصلاة قد شرعت في الإسلام في أول البعثة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي فرضا على النبي (ص) وسنة على أمته، ولكن تشريع وجوبها وعددها الخمس بهذه الكيفية في ليلة الإسراء والمعراج. وقد كان إسراؤه بعد وفاة عمه أبي طالب (ع) ووفاة زوجته خديجة (ع) وعليه فلا وجه لما ذكر بعضهم من أنه أفتقده في هذه الليلة أبو طالب الذي قد مات قبل الهجرة بثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم ماتت خديجة (ع) بعده بثلاثة أيام، ثم خرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة فأقام بها شهرا ورجع إلى مكة لما لاقاه من الأذى في الطائف، ثم بقي (ص) في مكة سنة ونصفاً فأسري به إلى بيت المقدس ورجع في نفس الليلة لمكة المكرمة وبقي بها سنة وأربعة أشهر إلا ثلاثة أيام، ثم أمره الله تعالى بالهجرة بعد أن أقام بمكة ثلاث عشرة سنة من مبعثه (ص). وذكر بعضهم أن الصلاة كانت قبل الإسراء صلاتين صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها، وأول صلاة فرضت وصلاها جبريل بالنبي (ص) ليلة المعراج هي صلاة الظهر، وهي المسماة بالوسطى لأنها وسط النهار وبين صلاتي النهار وهما صلاة الفجر وصلاة العصر وفي يوم الجمعة لو تمت شرائط وجوبها لأنها هي التي تكون حينئذ وسط النهار، وبين صلاتي النهار وهما صلاة الفجر وصلاة العصر، وأن الله تعالى أول مابدأ بصلاة الظهر بقوله تعالى: [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ‌]، وهذا لا ينافي كون المعراج ليلا إذ لعل الصلوات الخمس قد صلاها جبريل بالنبي (ص) لتعليمه، وفي الخبر (أنه لما أسري بالنبي (ص) كان أول صلاة فرضها الله عليه هي صلاة الظهر، وقد صلاها بالملائكة). وأما ما عن‌ العلل‌ بسنده عن سعيد بن المسيب قال: سألت علي بن الحسين (ع) متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟ فقال: (ع) بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الإسلام وكتب الله على المسلمين الجهاد. فالمراد منه ليس خصوص الصلوات الخمس وإلا فالإجماع كاد أن ينعقد أنها فرضت بمكة ليلة الإسراء، وإنما المراد به الصلاة بجميع أنواعها حتى صلاة العيد وبجميع شرائطها كالتوجه للكعبة ونحوه، أو المراد منه فرضها بمظهرها العالي وعدم التخوف في إدائها وعدم التحرج في فصلها، ولذا تجده (ع) قد قرن ذلك بالجهاد، وإلا فلا إشكال في أن الجهاد كان فرضه بعدها، ثم أنه عن جماعة أنه لما نزل قوله تعالى: [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ] كان رسول الله (ص) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول: الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وذكر بعض المؤرخين أنه لما توجه النبي (ص) للمدينة، ومر بقرية قباء وبقي فيها أربعة أيام أرتحل منها يوم الجمعة وصلى بالمهاجرين والأنصار أول جمعة بمسجد بني سليم، ثم صلى أول جمعة بالناس بمسجد الجمعة الواقع في وادي رنوفاء عن يسار الذاهب إلى قباء، كما أن الظاهر أن صلاة الأموات لم تفرض إلّا في المدينة، ولذا النبي (ص) لم يصليها على زوجته خديجة ولا على عمه أبي طالب وإنما دعا لهما، وكان الدعاء في صدر الإسلام هو الصلاة عليه.

وكان (ص) يصلي في مكة إلى بين المقدس مدة إقامته بها ثلاثة عشرة سنة، ويجعل الكعبة بينه وبينها بحيث تكون صلاته لهما، ولما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس وكان يجعل الكعبة خلف ظهره، وبعد رجوعه من بدر حول الله تعالى وجه محمد (ص) إلى الكعبة في مسجد بني سليم، فإنه لما صلى من الظهر ركعتين نزل عليه جبرائيل أخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وأستقبل الميزاب فكان (ص) صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة فلذلك سمي المسجد بمسجد القبلتين. وقد بلغ الخبر مسجد بني عبد الأشهل وقد صلى أهله من العصر ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم: أن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى القبلتين. وقد سمي مسجدهم مسجد القبلتين، كما في رواية أبي بصير. وعن الصدوق أنهم قد تخيلوا أن صلاتهم لبيت المقدس كانت فاسدة، فأنزل الله تعالى: [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ‌]. والمحكي عن محمد بن حبيب الهاشمي أن الصلاة حولت في الظهر إلى الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان، فقد زار رسول الله أم بشر بن البراء بن معزور في بني سلمه فتغدى هو وأصحابه، وجاء الظهر فصلى بأصحابه في مسجد القبلتين ركعتين من الظهر إلى الشام، ثم أمر أن يستقبل الكعبة وهو راكع في الركعة الثانية فاستدار إلى الكعبة فدارت الصفوف خلفه، ثم أتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين. والمحكي عن الواقدي أن هذا كان يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهر بعد الهجرة للمدينة المنورة. وعن علي بن إبراهيم القمي بإسناده إلى الصادق (ع) بعد سبعة أشهر، وعن الصدوق في‌ الفقيه‌ بعد تسعة عشر شهراً، وعن البراء بعد ستة عشر شهر من الهجرة. وعلى كل فالظاهر أنه كان في السنة الثانية من الهجرة للمدينة المنورة بعد رجوعه من غزوة بدر الصغرى، وفي هذه السنة الثانية كان بناء مسجد قباء، فقد روي عن سعيد الخدري أنه لما حرفت القبلة إلى الكعبة أتى رسول الله (ص) مسجد قباء فقدم جدار المسجد إلى موضعه اليوم، وأسس بيده وكان ينقل الحجارة بيده الشريفة وكذا أصحابه (ص) لبنائه، وكان (ص) يأتيه كل سبت ماشياً. وقال أبو أيوب الأنصاري: أنه هو المسجد الذي أسس على التقوى.

وفي هذه السنة فرض شهر رمضان في شعبان، بعد ما حرفت القبلة إلى الكعبة بشهر، وفي هذه السنة أمر رسول الله (ص) بزكاة الفطر قبل أن يفرض الزكاة في الأموال. وفي هذه السنة خرج رسول الله (ص) يوم العيد فصلى بالناس صلاة العيد، وفي هذه السنة كانت غزوة بدر كما عرفت، والظاهر أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر، وفي بعض الإخبار ما يدل على أن صلاة العصر إنما أمر الله تعالى بها، لأن العصر هي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة وأخرجه الله عز وجل من الجنة، ولقد كاد يبلغ حد التواتر من طرق العامة والخاصة أن النبي (ص) صلى الظهر بالصهباء، ثم أرسل علي بن أبي طالب (ع) في حاجة فرجع وقد صلى النبي (ص) العصر فوضع النبي (ص) رأسه في حجر علي (ع) فلم يحركه حتى غابت الشمس وصلى علي (ع) بالإيماء صلاة العصر، فلما أفاق النبي (ص) قال: اللهم أردد الشمس لعلي فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض، ثم قام علي (ع) فتوضأ وصلى العصر ثم غابت، وقد روى هذه الكرامة جملة من علماء العامة منهم الطحاوي وابن المغازلي والحافظ الشافعي والطبري والقوشجي والسخاوي والسيوطي وغيرهم من علماء الحديث. وقد صنف السيوطي في هذا الحديث رسالة مستقاة سماها (كشف اللبس عن حديث رد الشمس) وصححه جملة من العلماء كالقاضي عياض وأبو القاسم العامري والحاكم النيسابوري والصالحي وغيرهم.

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 3
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست