responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 10

اللهم إنا نبرأ إليك من حضارة تسلب الإعتراف بشخصية الفرد والقيمة الذاتية له، فإن النتيجة الحتمية لذلك هو أن يفقد الإنسان أعظم حق طبيعي له من حرية الإرادة وحرية العمل وحرية التفكير وحرية العلاقة بالأفراد وحرية السكنى إلى غير ذلك من الحريات الطبيعية للإنسان، التي لا يجوز حرمان هذا المخلوق البشري منها وإنما يصح أن يتنازل عنها بصرف إرادته ومحض رغبته بالمرغبات والمشهيات كدفع ثمن أو طلب فائدة أو نحو ذلك، هذا أحد المفاسد للمساواة في الحقوق مع الإلزام بالعمل وهناك مفاسد أخرى:

منها عدم نمو العقلية الإختراعية إذ إن مصدر الاختراع هو التوجه للعمل وإخراجه بأحسن وجه وأقصر زمن ليفوق العامل على أقرانه بالنفع وزيادة الأجر، ومع المساواة لا تندفع إلى هناك ولا يبذل قصارى الجُهد والجَهد في ذلك، حيث لا فائدة تكسب ولا غاية تستهدف وعند ذا تموت روح المسابقة، ويزول حب التفوق، وتذهب الهمم وتخمد العزائم وتحرم البشرية من مواهب الفرد الممتازة وأفكاره اللماعة.

ومنها أن لازم ذلك إلغاء الملكية التي هي حق طبيعي لإنسان قد فطرت عليها جبلته واقتضتها فطرته منذ أقدم العصور، ولعل الشعور بها من مقتضيات الحياة حتى للحيوانات لما يرى فيها من الدفاع عن مكانها وطعامها وأفكارها.

ومنها أن مع المساواة في النفع والأجر أي شخص يرغب في بعض الأعمال المرهقة المتعبة والحقيرة أو المؤذية الممرضة، كاستخراج بعض المناجم أو تنظيف القذارات وكنس الشوارع مع مساواته في الأجر لمن يقدم الرياحين أو يتولى طيبات الحياة ومحاسن العيش؟.

أضواء على تشريع الزكاة

الزكاة أهم جزء من النظام الاقتصادي للإسلام تغرس في محيط أدائها بذور التآلف والمحبة، وتوجد في أوساط نفوذها عوامل التعاون والمودة، وتزكوا بها النفوس وترتقي من حضيض دنس البخل وخساسة الشح، وتذهب عن الفقير أدران الحقد والضغائن الناتجة من التفوق عليه بالثراء والتمتع بالنعيم، وينمو بها المال حيث ثبت أن المال ينمو بالإنفاق، وتدخله البركة بالصدقة وتطهر بها ضمائر ذوي الحاجة من الدوافع نحو الجناية والجريمة) والناتجة من الحاجة والفقر والبؤس والشقاء، ولذا كان تشريعها يهدف إلى أحسن الحلول للمعركة الدائرة بين الغنى والفقر وبين أرباب الجدة وأصحاب المسكنة التي طالما تجاوز فيها أحد الفريقين على الأخر حدوده الأدبية، وتعدى حقوقه الإنسانية، وخرج من مقتضيات العدالة الاجتماعية فكانت الزكاة أفضل تشريع اقتصادي لإخماد لهب هذه الحرب الضروس، وإزالة هذه الفتنة الخرساء الصماء حيث بها تجعل للغني على الفقير يد الطول والإحسان، وتخلق في الفقير نحو الغني نفسية الشكر والامتنان عند ذاك تتبادل بينهما لطائف العطف وروائع الحنان، ويصبحان في جو اجتماعي مشبع بروح التعاون والأخوة والتضامن هذا يرعى ذاك بفضل بره، وذاك يرعى هذا بجميل صنعه وطيب معروفه فيتبدل الموقف إلى أحسنه وأطيبه فبينما الفقير مشحونة نفسه بالشر والحقد والحسد وينتظر الوقيعة بالغني ويتلمظ للوثبة عليه وإذا به يرجو الخير له والتوسعة عليه ويتخذ السبيل لحسن الثناء عنه، ويصبح لسان صدق في الآخرين له فإن الطباع قد جبلت على الحب لمن أحسن إليها والبغض لمن أساء إليها، ولو عملت بها الحكومات ونفذتها السلطات على الوجه الصحيح الأكمل لسدت بها حاجات الفقراء والمساكين، وقلت بها الشرور، وخفت وطأة السجون وتقلصت الأفكار الهدامة التي ترمي الى زعزعة الآمن والآمان وتقضي على السكينة والاطمئنان. فإن الفقر على ما ذكره علماء الاجتماع يدفع أصحابه نحو صنوف الجرائم وتروج في آفاقه متطرفات المذاهب، وفي الأثر (كاد الفقر يكون كفرا) ولا زال يعقب في مواطنه نتائجا وخيمة وآثار وبيلة كان مثالها فناء النفوس وإراقة الدماء والفتن الصماء والملمات الخرساء. إلَّا وأن القوانين والأنظمة الاجتماعية المالية التي جاءت بها المدنية الحديثة وتنشدها الناشئة الجديدة هي مشتقة من نظام الزكاة في الإسلام ومستقاة منه وإن كانت لا تحمل اسم الزكاة ولا تعني بالثمرات الطيبة الناتجة منها.

اسم الکتاب : الكلم الطيب المؤلف : كاشف الغطاء، علي    الجزء : 1  صفحة : 10
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست