و الجنّة فى اثبات المعاد، انّه لولاه لذهبت مظالم العباد، و
تساوى اهل الصلاح و الفساد، و ضاعت الدّماء. ثمّ لم تبق ثمرة لارسال الأنبياء، و
انّ لطف اللّه تعالى يستحيل عليه الانقضاء، لانّ الموجب للابتداء هو المانع عن
الانتهاء.
و ممّا يحيله العقل اختصاص لطفه تعالى بهذه الأيّام القلائل الّتي هى
كظلّ زائل.
ثمّ لو لا ذلك لم يحسن الوعد و الوعيد، و الترغيب و التّهديد، و
لساوى افضل الأنبياء فى الفضيلة، اشقى الاشقياء.
و فيما تواتر من بعض الكرامات، كإحياء كثير من الأموات، و اخبارهم
عمّا شاهدوا من الكربات، و ما شاهدوه بعض الاولياء عند الممات، كفاية لمن نظر و
عبرة لمن اعتبر.
و كفى فى ذلك شهادة الآيات، و متواتر الرّوايات، مع ما دلّ على عصمة
الأنبياء و عدم جواز صدور الكذب عنهم و الافتراء.
و المقدار الواجب بعد معرفة اصل المعاد، معرفة الحساب، و ترتّب
الثّواب و العقاب. و لا يجب المعرفة على التّحقيق الّتي لا يصلها الّا صاحب النّظر
الدقيق، كالعلم بانّ الأبدان هل تعود بذواتها؟ او انّما يعود ما يماثلها بهيئاتها؟
و انّ الارواح هل تعدم كالاجساد؟ او تبقى مستمرة حتّى تتصل بالابدان عند المعاد؟ و
انّ المعاد هل يختص بالانسان؟ او يجرى على كافّة ضروب الحيوان؟
و انّ عودها بحكم اللّه دفعىّ او تدريجى؟
و حيث لزمه معرفة الجنان و تصوّر النيران، لا يلزم معرفة