حجة القائلين بان التعارض من باب اشتباه
الحجة باللاحجة
إحتج القائلون بأن باب التعارض من اشتباه الحجة باللاحجة بأن معلوم
الكذب منهما ليس بحجة لانه لا طريقية له للواقع فالآخر المردد غير المعين يكون هو
الحجة لانه غير معلوم الكذب وجامع لشرائط الحجية. ولا ريب عدم الحكم بينهما
بالتخيير مطلقاً لكون أحدهما ليس بحجة وإنما الوظيفة فيما إذا كان قد دل كل منهما
على حكم إلزامي لأمرين غير متنافيين وكان يمكن الجمع بينهما هو الاحتياط كما لو دل
أحدهما على وجوب القنوت والآخر على وجوب الإقامة وعلم بكذب أحدهما فانه يجب
الاحتياط بإتيانهما معاً، وكذا لو دل أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمة شيء
آخر وعلم بكذب أحدهما فانه يجب عليه الاحتياط لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ
اليقيني وهو بعلمه بحجية أحدهما اشتغلت ذمته بمدلوله وأما إذا كانا متنافيين ولا
يمكن الجمع بينهما فالأصل هو التخيير كما لو دل أحدهما على وجوب شيء والآخر على
وجوب ضده أو على وجوب تركه كما لو دل أحدهما على وجوب القيام عند القراءة والآخر
دل على وجوب الجلوس عندها أو حرمة القيام عندها وعلم بكذب أحدهما فانه يتخير
بينهما لدوران الأمر بين محذورين، وأما إذا كان قد دل أحدهما على حكم إلزامي دون
الآخر فالأصل البراءة من الحكم الإلزامي إلا ان يكون له حالة سابقة فتستصحب. ان
قلت ان الأمارات لما كانت حجة في لوازمها والدال منها على الحكم يدل بالدلالة
الالتزامية على نفي الآخر فلا يجوز الرجوع إلى أصل الإباحة لأن كلًا من المتعارضين
دال على عدمها في المورد المذكور إلّا إذا كان المعارض الآخر دالًا على الإباحة.
قلنا أولًا نرجع في الصورة المذكورة إلى أصالة عدم ذلك الحكم الإلزامي وإلى
البراءة منه فانها لا تدل على نفيها الأمارة المعارضة الدالة على حكم غير
الإلزامي. وثانياً بأن أصالة الإباحة وإن أثبتت حكم الإباحة إلا ان الرجوع إلى
الأصل إذا لم يلزم منه مخالفة عملية لا مانع منه فإن المخالفة الالتزامية قد تقرر
في محله جوازها فإن من علم إجمالًا باستحباب أحد