اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 224
الأول: أنه تعالى ما لم يخلق العادة الداعية الجازمة فى قلبه،
لا يصدر عنه ذلك الفعل، ففاعل تلك الداعية الملزمة هو الفاعل لذلك.
الثانى: أن العبد جاهل بكنه أفعاله، و الجاهل بالشيء لا يكون موجدا
له، فالعبد غير موجد لأفعال نفسه، بل موجدها هو اللّه تعالى، فالواهب فى الحقيقة
هو اللّه تعالى.
الثالث: لو لا أنه تعالى قضى بحصول تلك الهبة فى الأزل، و علم ذلك،
لما حصلت؛ لأن حدوث شيء على خلاف إرادة اللّه تعالى من علمه و حكمه محال، ففاعل
تلك العطية فى الحقيقة هو اللّه سبحانه.
الرابع: أن العبد ملك للّه، و الملك لا يملك شيئا، قال اللّه تعالى. «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى
شَيْءٍ» «1» أثبت أن التمليك لا يصح من العبد.
و أما أنه بغير عوض فنقول: بتقدير أن يصح تمليك من العبد إلا أنه
يمتنع أن يكون ذلك التمليك بغير عوض، و يدل عليه أنه إنما يفعل الفعل إما لتحصيل
المدح فى العاجل، أو الثواب فى الآجل، فإن فرض الكلام فيمن لم يؤمر بالثواب و لم
يحضر هناك أحد يمدحه، و المنعم عليه أعمى أو مغشيا عليه، فهاهنا لا ينعم للثواب و
لا للثناء، و لكنه إنما ينعم لدفع الرقة الجنسية عن القلب، و ذلك عوض فإن لم يوجد
شيء من هذه الأسباب لم يصدر عنه الفعل البتة، فثبت أن قيد كونه بغير عوض فى حق
العبد محال، و لما ثبت أن ماهية الهبة مركبة من قيدين، و ثبت امتناع كل واحد منهما
فى حق العبد، امتنع صدور الهبة منه، أما الحق سبحانه فكل واحد من القيدين حاصل فى
هبته، أما التمليك فلأنه مالك الملك فيصح منه التمليك.
______________________________
(1) جزء من الآية 75 سورة النحل.
اسم الکتاب : لوامع البينات شرح أسماءالله تعالى و الصفات المؤلف : الرازي، فخر الدين الجزء : 1 صفحة : 224