responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 6  صفحة : 180

ودع عنك ما ربما يتوهم أن المغمى عليه يغفل عن ذاته ونفسه فإن الذي يجده هذا الإنسان بعد انقضاء حال الإغماء أنه لا يذكر شعوره بنفسه حالة الإغماء لا أنه يذكر أنه كان غير شاعر بها ، وبين المعنيين فرق ، وربما يذكر بعض المغمى عليهم من حالة إغمائه شيئا بشبه الرؤيا التي نذكرها من حال المنام.

وكيف كان لا ينبغي الارتياب في أن الإنسان بما أنه إنسان لا يخلو عن هذا الشعور النفسي الذي يمثل له حقيقة نفسه التي يعبر عنها بأنا ، ولو أنه استأنس قليل استيناس بما يشاهده من نفسه على انصراف من التقسم إلى مشاغله البدنية وأمانيه المادية قضى بما تقدم أن نفسه أمر مغاير لسنخ المادة والماديات لما يشاهد من مغايرة خواص نفسه وآثارها لخواص الأمور المادية وآثارها.

غير أن الاشتغال بالمشاغل اليومية وصرف الهم إلى أماني الحياة المادية ورفع الحوائج البدنية يدعوه إلى إهمال الأمر والإذعان بشيء من تلك الآراء الساذجة الأبجدية والوقف على إجمال المشاهدة.

٢ ـ الفرد العادي من الإنسان وإن كان شغله هم الغذاء والمسكن والملبس والمنكح عن الغور في حقيقة نفسه والبحث في زوايا ذاته ، لكن الحوادث المختلفة الهاجمة عليه في خلال أيام حياته ربما لم تخل من عوامل توجهه إلى الانصراف عن غيره والخلوة بنفسه كالخوف الشديد الذي تنزعج به النفس عن كل شيء وترجع إلى نفسها كالآخذة الممسكة عليها حذرا من الفناء والزوال ، وكالسرور والترح الموجب لانجذاب النفس إلى ما تستلذ به ، وكالغرام الشديد المنجر إلى الوله بالمحبوب المطلوب بحيث لا هم إلا همه ، وكالاضطرار الشديد الذي ينقطع به الإنسان عن كل شيء إلى نفسه ؛ إلى غير ذلك من العوامل الاتفاقية.

هذه العوامل المختلفة والأسباب المتنوعة ربما أدى الإنسان واحدا منها أو أزيد من واحد إلى أن يتمثل عنده بعض ما لا يكاد تناله الحواس الظاهرة أو الفكرة الخالية ، كالواقع في مكان مظلم موحش أدهشه الخوف على نفسه فإنه يبصر أشياء مخوفة أو يسمع أصواتا هائلة تهدده في نفسه ، وهو الذي ربما يسمونه غولا أو هاتفا أو جنا ونحو ذلك.

وربما أحاط به الحب الشديد أو الحسرة والأسف الشديدان فحال بينه وبين

اسم الکتاب : الميزان في تفسير القرآن المؤلف : العلامة الطباطبائي    الجزء : 6  صفحة : 180
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست