مِثْلُ الْمَدَائِنِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ- مَرْبُوطَةٌ كُلُّ مَدِينَةٍ بِعَمُودٍ [إِلَى عَمُودٍ] مِنْ نُورٍ- طُولُ ذَلِكَ الْعَمُودِ فِي السَّمَاءِ مَسِيرَةُ مِائَتَيْنِ وَ خَمْسِينَ سَنَةً[1]
و قوله وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ
[1]. لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ أَكْبَرِ الْبَرَاهِينِ عَلَى حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ فِي عَصْرِ عُلُومٍ مُتَجَدِّدَةٍ وَسِعَتْ نِطَاقُهَا بَيْنَ الذُّرَةِ وَ ذُرَى السَّمَاءِ حَيْثُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى وُجُودِ الْعُمْرَانِ فِي السَّيَّارَاتِ حَسْبُ، بَلْ إِنَّهُ دَلَّ عَلَى قَانُونِ التَّمَايُلِ وَ التَّجَاذُبِ بَيْنَهَا أَيْضاً قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّهْرِسْتَانِيُّ( رَحِمَهُ اللَّهُ) فِي الْهَيْئَةِ وَ الْإِسْلَامِ ص 294:
« قَوْلُهُ: مَرْبُوطَةٌ مِنْ نُورٍ، قَدْ يَكُونُ إِشَارَةً إِلَى تَأْثِيرِ جَاذِبِيَّةِ الشَّمْسِ فِي حِفْظِ نِظَامِ السَّيَّارَاتِ، وَ اتِّصَالِ حَامِلِ الْجَاذِبِيَّةِ بِالنُّجُومِ عَلَى نَحْوِ الْخَطِّ الْعَمُودِيِّ- كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى:
« بِعَمُودَيْنِ مِنْ نُورٍ» يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَا تُقُرِّرَ أَخِيراً أَنَّ نِظَامَ السَّيَّارَاتِ تَحْفَظُهُ قُوَّتَانِ مِنَ الشَّمْسِ بِسَبَبِ التَّحَرُّكِ الدَّوْرِيِّ، فَلَوِ انْفَرَدَتِ الْأُولَى فِي التَّأْثِيرِ وَ لَمْ تُكَافِئْهَا الثَّانِيَةُ لَهَوَتْ جُمْلَةُ السَّيَّارَاتِ فِي كُورَةِ الشَّمْسِ، وَ لَوِ انْفَرَدَتِ الثَّانِيَةُ وَ لَمْ تُكَافِئْهَا الْأُولَى لَرُمِيَتِ النُّجُومُ إِلَى خَارِجِ نِظَامِ الشَّمْسِ مِنَ الْفَضَاءِ الْوَسِيعِ وَ إِنَّمَا اسْتَقَرَّتِ السَّيَّارَاتُ فِي أَفْلَاكِهَا الْمُعَيَّنَةِ وَ انْضَبَطَ نِظَامُهَا بِوَاسِطَةِ ارْتِبَاطِهَا مَعَ الشَّمْسِ بِعَمُودَيْنِ وَ انْقِيَادِهَا بَيْنَ جَاذِبٍ وَ دَافِعٍ».
وَ كَيْفَ كَانَ فَقَدْ ذَهَبَ حُكَمَاءُ الْعَصْرِ إِلَى عِمْرَانِ الْكَوَاكِبِ وَ إِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِي كَيْفِيَّاتِهِ فَلْنُقَدِّمْ نُبْذَةً مِنْهَا، فَفِي الْهَيْئَةِ وَ الْإِسْلَامِ ص 277:
« قَالَ مِيخَائِيلُ فِي مَشْهَدِ الْكَائِنَاتِ فِي الْمِرِّيخِ: وَ فِي جَوِّ هَذَا السَّيَّارِ غُيُومٌ وَ ضِبَابٌ مِنْ أَبْخِرَةِ مَاءٍ كَمَا شُوهِدَ ذَلِكَ بِالْمَنْظَرِ الطَّيْفِيِّ وَ مِنْ هَذَا اسْتَنْتَجَ الْجَوَابَةَ أَنَّ فِي الْمِرِّيخِ أَنْهُراً تَجْرِي فِيهَا الْمِيَاهُ الْمُتَسَاقِطَةُ مِنْ هَذَا الْبُخَارِ وَ أَوْدِيَةً وَ جِبِالًا وَ مَجَارِيَ هَوَائِيَّةً، فَيَكُونُ جَوُّهَا كَجَوِّنَا مُرَكَّباً مِنْ مَوَادَّ وَاحِدَةٍ، وَ بَرُّهَا كَبَرِّنَا آهِلًا بِخَلَائِقَ تَتَمَشَّى عَلَى سُنَنِ خَلَائِقِ أَرْضِنَا.
وَ فِي مجلة الْهِلَالِ الْمِصْرِيَّةِ الْمُجَلَّدِ 11 87: أَنَّ الْأُسْتَاذَ( هوف) الأمريكائي أَلْقَى خِطَاباً مِنْ عَهْدٍ قَرِيبٍ فِي اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْمِرِّيخَ وَ الزُّهَرَةَ وَ عُطَارِدَ آهِلَةٌ بِالنَّاسِ وَ سَائِرِ الْأَحْيَاءِ، وَ أَنَّ سُكَّانَهَا أَرْقَى مِنْ سُكَّانِ الْأَرْضِ بَدَناً وَ عَقْلًا. قَالَ: وَ لَمَّا كَانَ الْمِرِّيخُ أَكْبَرَ سِنّاً مِنَ الْأَرْضِ وَ قَدْ جَمَدَ وَ بَرَدَ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَزْمَانٍ فَالْإِنْسَانُ وُجِدَ فِيهِ قَبْلَ وُجُودِهِ فِي الْأَرْضِ وَ ارْتَقَى أَكْثَرَ مِنِ ارْتِقَائِهِ فِيهَا.
وَ فِي تَقْوِيمِ الْمُؤَيَّدِ لِسَنَةِ 1319 هج لمحرره الْفَاضِلِ مَحْمُودٍ فندي: الْمُقَرَّرُ الْآنَ أَنَّ زُهْرَةَ وَ عُطَارِدَ نَظَراً لِحَدَاثَةِ وُجُودِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَرْضِنَا غَيْرُ قَابِلَتَيْنِ لِلسُّكْنَى، وَ لَوْ وُجِدَ فِيهِمَا فَهُمْ كَسُكَّانِ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ الْإِنْسَانِ.
وَ قَالَ الْكَاتِبُ( برنادرن) إِنَّ سُكَّانَ الزُّهَرَةِ يُشْبِهُونَ سُكَّانَ الْأَرْضِ وَ بَعْضُ رُعَاةِ الْأَغْنَامِ وَ الْمَاشِيَةِ عَلَى قمم الْجِبَالِ، وَ الْبَعْضُ الْآخَرُ يُقِيمُونَ عَلَى ضفاف الْأَنْهَارِ إِذْ يَقْضُونَ أَوْقَاتَهُمْ فِي الرَّقْصِ وَ مَدِّ الْمَوَائِدِ وَ التَّغَنِّي وَ التسابق فِي السِّبَاحَةِ، وَ قَالَ فونتنل عَنْ سُكَّانِ عُطَارِدٍ: إِنَّهُمْ يَسْكُنُونَ أَصْغَرَ الْمَنَازِلِ لِصِغَرِ أَجْسَامِهِمْ، وَ إِنَّهُمْ لِشِدَّةِ حَرِّ الشَّمْسِ مصابون بِالْجُنُونِ.
وَ قَالَ آخَرُ فِي كِتَابِهِ الْمَطْبُوعِ سَنَةَ 1750 بِعُنْوَانِ( سِيَاحَةِ عُطَارِدٍ) إِنَّ العطارديين كالملائكة لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ بِهَا فِي الْجَوِّ وَ إِنْ جُسُومَهُمْ أَصْغَرُ مِنْ جُسُومِنَا. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَقَاوِيلِ الْمُخْتَلِفَةِ وَ الْآرَاءِ الْمُتَشَتِّتَةِ، وَ لَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذِهِ الاستكشافات نتيجة غَوْصِ عُلَمَائِهِمْ فِي بِحُورٍ مطالعة الْكَوْنِ أعقابا، وَ هيامهم حَوْلَ أسرارها أَحْقَاباً وَ بَعْدَ اللتيا وَ الَّتِي لَمْ يفيدوا إِلَّا ظَنّاً وَ تخمينا، وَ لَمْ تَبْلُغْ اجتهاداتهم حَتْماً وَ يَقِيناً كَمَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنْ كَلِمَاتِهِمْ ذَكَرْنَاهَا آنِفاً.
وَ كَيْفَ لَا تُطَأْطَأُ رُءُوسُ الْمَخْلُوقِينَ لِمَنْ أَخْبَرَ قَبْلَ أَلْفِ عَامٍ وَ أَزْيَدَ بِخَبَرٍ يَقِينٍ لَا عَنْ ظَنٍّ وَ تخمينٍ بِأَنَّ هُنَاكَ سُكَّاناً وَ عُمْرَاناً وَ هُمْ أَعْلَى مِنَّا شَرَفاً وَ مَكَاناً.
فَفِي تَفْسِيرِ الْبُرْهَانِ لِلسَّيِّدِ هَاشِمٍ الْبَحْرَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: مِنْ وَرَاءِ شَمْسِكُمْ هَذِهِ أَرْبَعُونَ عَيْنَ شَمْسٍ مَا بَيْنَ عَيْنِ شَمْسٍ إِلَى عَيْنِ شَمْسٍ أَرْبَعُونَ عَاماً، فِيهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ مَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ أَوْ لَمْ يَخْلُقْهُ.
وَ فِيهِ وَ فِي الْبِحَارِ وَ الْكَافِي وَ بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ وَ الْأَنْوَارِ النعمانية لِلسَّيِّدِ الْجَزَائِرِيِّ عَنْ عَجْلَانَ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قُبَّةِ آدَمَ، فَقُلْتُ لَهُ هَذِهِ قُبَّةُ آدَمَ فَقَالَ نَعَمْ، وَ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قِبَابٌ كَثِيرَةٌ، أَمَا إِنَّ لِلَّهِ لَخَلْفَ مَغْرِبِكُمْ هَذِهِ تِسْعَةٌ وَ تِسْعُونَ مَغْرِباً أَرْضاً بَيْضَاءَ مَمْلُوءَةً خَلْقاً يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِهَا، لَمْ يَعْصُوا اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ، فَهَذَا بَيَانُ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي فِي الْفَضَاءِ وَ امْتِلَاءِ الْكُلِّ خَلْقاً كَمَا يَرَاهُ جُمْلَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَ الضَّمِيرُ فِي« بِنُورِهَا» رَاجِعٌ إِلَى الشَّمْسِ.
وَ فِي كِتَابِ( فَلَكِ السَّعَادَةِ) للفاضل اعتضاد السلطنة ابْنِ الخاقان فَتَح عَلِي شَاه قاجار قَالَ مَا مَعْنَاهُ: إِنِّي عَرَضْتُ هَذَا الْخَبَرَ عَلَى بَعْضِ حُكَمَاءِ أوربا فَقَالَ- بَعْدَ استغرابه-: لَوْ كُنْتُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صُدُورِ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وَصِيِّ نَبِيِّكُمْ لَآمَنْتُ بِهِ وَ أَسْلَمْتُ. ج. ز