فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ- آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا- إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ- أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ فَأَقْبَلَ نَحْوَ النَّارِ يَقْتَبِسُ- فَإِذَا شَجَرَةٌ وَ نَارٌ تَلْتَهِبُ عَلَيْهَا- فَلَمَّا ذَهَبَ نَحْوَ النَّارِ يَقْتَبِسُ مِنْهَا أَهْوَتْ إِلَيْهِ فَفَزِعَ مِنْهَا وَ عَدَا وَ رَجَعَتِ النَّارُ إِلَى الشَّجَرَةِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا وَ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى الشَّجَرَةِ فَرَجَعَ الثَّانِيَةَ لِيَقْتَبِسَ فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ فَعَدَا وَ تَرَكَهَا- ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهَا وَ قَدْ رَجَعَتْ إِلَى الشَّجَرَةِ- فَرَجَعَ إِلَيْهَا الثَّالِثَةَ فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ فَعَدَا وَ لَمْ يُعَقِّبْ أَيْ لَمْ يَرْجِعْ فَنَادَاهُ اللَّهُ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قَالَ مُوسَى فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ:
مَا فِي يَمِينِكَ يا مُوسى قالَ هِيَ عَصايَ ... قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَصَارَتْ حَيَّةً تَسْعَى فَفَزِعَ مِنْهَا مُوسَى وَ عَدَا فَنَادَاهُ اللَّهُ خُذْهَا- وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ- اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى ع كَانَ شَدِيدَ السُّمْرَةِ- فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ- فَأَضَاءَتْ لَهُ الدُّنْيَا فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ- إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ فَقَالَ مُوسَى كَمَا حَكَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ....
و أما قوله: وَ قالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ- ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي- فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ- فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَ إِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ
قَالَ فَبَنَى هَامَانُ لَهُ فِي الْهَوَاءِ صَرْحاً- حَتَّى بَلَغَ مَكَاناً فِي الْهَوَاءِ- لَا يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ- مِنَ الرِّيَاحِ الْقَائِمَةِ فِي الْهَوَاءِ- فَقَالَ لِفِرْعَوْنَ: لَا نَقْدِرُ أَنْ نَزِيدَ عَلَى هَذَا- فَبَعَثَ اللَّهُ رِيَاحاً فَرَمَتْ بِهِ، فَاتَّخَذَ فِرْعَوْنُ وَ هَامَانُ عِنْدَ ذَلِكَ التَّابُوتَ- وَ عَمَدَا إِلَى أَرْبَعَةِ أَنْسُرٍ- فَأَخَذَا أَفْرَاخَهَا وَ رَبَّيَاهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْقُوَّةَ وَ كَبِرَتْ عَمَدَا إِلَى جَوَانِبِ التَّابُوتِ الْأَرْبَعَةِ- فَغَرَسَا فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْهُ خَشَبَةً- وَ جَعَلَا عَلَى رَأْسِ كُلِّ خَشَبَةٍ لَحْماً وَ جَوَّعَا الْأَنْسُرَ- وَ شَدَّا أَرْجُلَهَا بِأَصْلِ الْخَشَبَةِ- فَنَظَرَتِ الْأَنْسُرُ إِلَى اللَّحْمِ فَأَهْوَتْ إِلَيْهِ بِأَجْنِحَتِهَا- وَ ارْتَفَعَتْ بِهِمَا فِي الْهَوَاءِ وَ أَقْبَلَتْ تَطِيرُ يَوْمَهَا- فَقَالَ