و هم الّذين يشهدون بالحق للمؤمنين و أهل الحق و علي المبطلين و الكافرين بما قامت به الحجة يوم القيامة و في ذلک سرور المحق و فضيحة المبطل في ذلک المجمع العظيم و المحفل الكبير. و قال قتادة الأشهاد الملائكة و الأنبياء و المؤمنون و قال مجاهد: هم الملائكة. ثم بين سبحانه و تعالي اليوم ألذي يقوم فيه الاشهاد، فقال «يَومَ لا يَنفَعُ الظّالِمِينَ مَعذِرَتُهُم» فالمعذرة و الاعتذار واحد. و إنما نفي ان تنفعهم المعذرة في الآخرة مع كونها نافعة في دار التكليف لأن الآخرة دار الإلجاء إلي العمل، و الملجأ غير محمود علي العمل ألذي ألجئ اليه، لأنه لا يعمله لداعي الحكمة إلي ما يمكنه أن يعمله و لا يعمله فيضمن الحمد علي فعله. و قيل: إنما لم يقبل معذرتهم، لأنهم يعتذرون بالباطل- في قولهم و اللّه ربنا ما كنا مشركين.
ثم بين تعالي إن لهم مع بطلان معذرتهم اللعنة، و هي الابعاد من رحمة اللّه و الحكم عليهم بدوام العقاب و لهم سوء الدار و هو عذاب النار نعوذ باللّه منها. و الظالمين الّذين لا تنفعهم المعذرة هم الّذين ظلموا أنفسهم او غيرهم بارتكاب المعاصي الّتي يستحق بها دوام العقاب.
ثم اخبر تعالي علي وجه القسم فقال «وَ لَقَد آتَينا مُوسَي الهُدي» أي أعطيناه التوراة فيها أدلة واضحة علي معرفة اللّه و توحيده و أنزلنا عليه الكتاب و أورثناه بني إسرائيل يعني التوراة، و هدي يعني أدلة واضحة علي معرفة اللّه و توحيده و «ذكري» أي ما يتذكر به أولو الألباب، و إنما خص العقلاء بذلك، لأنهم الّذين يتمكنون من الانتفاع به دون من لا يعقل.
ثم أمر اللّه نبيه صلي اللّه عليه و آله فقال «فاصبر» يا محمّد علي أذي قومك و تحمل المشقة في تكذيبهم إياك «إِنَّ وَعدَ اللّهِ حَقٌّ» ألذي وعدك به من الثواب و الجنة لمن أطاعك و النار و العقاب لمن عصاك حق لا خلف له. و اطلب ايضاً المغفرة لذنبك.