نتخذ متبوءاً أي مأوي حيث نشاء، و أصله الرجوع من قولهم: باء بكذا أي رجع به. ثم قال (فَنِعمَ أَجرُ العامِلِينَ) يعني المقام في الجنة و التنعم فيها.
ثم قال تعالي (وَ تَرَي المَلائِكَةَ حَافِّينَ مِن حَولِ العَرشِ) أي محدقين به- في قول قتادة و السدي- (يُسَبِّحُونَ بِحَمدِ رَبِّهِم) أي ينزهون اللّه تعالي عما لا يليق به و يذكرونه بصفاته الّتي هو عليها. و قيل: تسبيحهم ذلک الوقت علي سبيل التنعم و التلذذ ثواباً علي أعمالهم لا علي وجه التعبد، لأنه ليس هناك دار تكليف. و قيل: الوجه في ذلک تشبيه حال الآخرة بحال الدنيا، فان السلطان الأعظم إذا أراد الجلوس للمظالم و القضاء بين الخلق قعد علي سريره و اقام حشمه و جنده قدامه و حوله تعظيماً لأمره فلذلك عظم اللّه أمر القضاء في الآخرة بنصب العرش و قيام الملائكة حوله معظمين له تعالي مسبحين و إن لم يكن تعالي علي العرش لأن ذلک يستحيل عليه لكونه غير جسم، و الجلوس علي العرش من صفات الأجسام.
ثم قال تعالي (وَ قُضِيَ بَينَهُم بِالحَقِّ) أي فصل بين الخلائق بالحق لا ظلم فيه علي أحد، و قيل (الحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمِينَ) اخبار منه تعالي أن جميع المؤمنين يقولون عند ذلک معترفين بأن المستحق للحمد و الشكر ألذي لا يساويه حمد و لا شكر (اللّه) ألذي خلق العالمين و دبرها. و قيل: لأن اللّه خلق الأشياء الحمد للّه ألذي خلق السموات و الإرض، فلما أفني الخلق ثم بعثهم و استقر اهل الجنة في الجنة ختم بقوله (الحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمِينَ).