و قوله (أَم يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) معناه بل يقولون أ فتراه و اخترعه و افتعله، لان التقول لا يکون إلا كذباً، لأنه دخله معني تكلف القول من غير حقيقة معني يرجع اليه، و كذلك کل من تكلف أمراً من غير اقتضاء العقل أن له فعله فهو باطل. ثم قال (بل) هؤلاء الكفار (لا يصدقون) بنبوتك و لا بأن القرآن انزل من عند اللّه. و الآية ينبغي ان تكون خاصة فيمن علم اللّه انه لا يؤمن.
ثم قال علي وجه التحدي لهم (فَليَأتُوا بِحَدِيثٍ مِثلِهِ) يعني مثل القرآن و ما يقاربه (إِن كانُوا صادِقِينَ) في انه شاعر و كاهن و مجنون و تقوله، لأنه لا يتعذر عليهم مثله. و قيل المثل ألذي وقع التحدي به هو ما کان مثله في أعلا طبقة البلاغة من الكلام ألذي ليس بشعر. و أعلا طبقات البلاغة كلام قد جمع خمسة أوجه:
تعديل الحروف في المخارج، و تعديل الحروف في التجانس و تشاكل المقاطع مما تقتضيه المعاني و تهذيب البيان بالايجاز في موضعه و الاطناب في موضعه، و الاستعارة في موضعها و الحقيقة في موضعها. و اجراء جميع ذلک في الحكم العقلية بالترغيب في ما ينبغي ان يرغب فيه، و الترهيب مما ينبغي ان يرهب منه، و الحجة الّتي يميز بها الحق من الباطل، و الموعظة الّتي تليق للعمل بالحق.
و قوله (أَم خُلِقُوا مِن غَيرِ شَيءٍ) معناه أخلقوا من غير خالق (أَم هُمُ الخالِقُونَ) لنفوسهم فلا يأتمرون لا مر اللّه و لا ينتهون عما نهاهم عنه. و قيل: