و قوله «لَقَد كُنتَ فِي غَفلَةٍ» أي يقال له «لَقَد كُنتَ فِي غَفلَةٍ» أي في سهو و نسيان «من هذا» اليوم، فالغفلة ذهاب المعني عن النفس، و ضده اليقظة.
و قوله «فَكَشَفنا عَنكَ غِطاءَكَ» أي أزلنا الغطاء عنك حتي ظهر لك الأمر، و إنما تظهر الأمور في الآخرة بما يخلق اللّه فيهم من العلوم الضرورية، فيصير بمنزلة كشف الغطاء عما يري، و المراد به جميع المكلفين: برّهم و فاجرهم، لان معارف الجميع ضرورية، و قوله «فَبَصَرُكَ اليَومَ حَدِيدٌ» معناه إن عينك حادة النظر لا يدخل عليها شك و لا شبهة. و قيل: المعني فعلمك بما كنت فيه من أحوال الدنيا نافذ ليس يراد به بصر العين، کما يقال: فلان بصير بالنحو أو بالفقه. و قال الرماني:
حديد مشتق من الحد، و معناه منيع من الإدخال في الشيء ما ليس منه و الإخراج عنه ما هو منه، و ذلک في صفة رؤيته للأشياء في الآخرة.
و قوله «وَ قالَ قَرِينُهُ» قال الحسن و قتادة و إبن زيد: يعني الملك الشهيد عليه. و قال بعضهم: قرينه من الشياطين. و الأول الوجه «هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ» أي معدّ محفوظ «أَلقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ» إنما قيل: ألقيا، لأن المأمور به إلقاء کل كافر في النار اثنان من الملائكة. و قيل: يجوز ان يکون علي لفظ الاثنين و المأمور واحد، لأنه بمنزلة إلقاء اثنين في شدته، کما قال الشاعر:
فان تزجراني يا بن عفان انزجر و إن تدعاني ام عرضاً ممنعا[1]
و الأول اظهر، و حكي الزجاج عن بعض النحويين: ان العرب تأمر الواحد بلفظ الاثنين تقول: قوما، و اقعدا، قال الحجاج: ( يا حرسي اضربا عنقه) و إنما قالوا ذلک، لأن اكثر ما يتكلم به العرب فيمن تأمر به بلفظ الاثنين نحو
خليلي مرابي علي أم جندب[2]