و شبهوا عليهم ذلک و مالوا إلي خلافه. و قيل: هذا قول اليهود للمنافقين «سَنُطِيعُكُم فِي بَعضِ الأَمرِ» أي نفعل بعض ما تريدونه من الميل إليكم و إعطاء شهواتكم.
ثم قال «وَ اللّهُ يَعلَمُ إِسرارَهُم» أي بواطنهم- فمن فتح الهمزة، و من كسرها- أراد يعلم ما يسرونه. ثم قال «فَكَيفَ إِذا تَوَفَّتهُمُ المَلائِكَةُ» و المعني كيف حالهم إذا توفتهم الملائكة و حذف تفخيماً لشأن ما ينزل بهم «يَضرِبُونَ وُجُوهَهُم وَ أَدبارَهُم» علي وجه العقوبة لهم في القبر و يوم القيامة.
ثم بين تعالي لم يفعل الملائكة بهم ذلک، فقال «ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسخَطَ اللّهَ» يعني المعاصي الّتي يكرهها اللّه و يعاقب عليها «وَ كَرِهُوا رِضوانَهُ» أي كرهوا سبب رضوانه من الايمان و الطاعات و الامتناع من القبائح «فَأَحبَطَ أَعمالَهُم» أي حكم بأنها باطلة محبطة لا يستحق عليها الثواب.
ثم قال «أَم حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ» أي نفاق و شك يظنون «أَن لَن يُخرِجَ اللّهُ أَضغانَهُم» أي أحقادهم مع المؤمنين و لا يظهرها و لا يبدي عوراتهم للنبي صَلي اللّهُ عَليه و آله «وَ لَو نَشاءُ لَأَرَيناكَهُم» يعني المنافقين بأعيانهم، و لو شئت لعرفتكهم حتي تعرفهم. ثم قال «فَلَعَرَفتَهُم بِسِيماهُم» أي بعلاماتهم الّتي نصبها اللّه لكم، يعرفهم بها يعني الامارات الدالة علي سوء نياتهم. ثم قال «وَ لَتَعرِفَنَّهُم فِي لَحنِ القَولِ» أي في فحوي أقوالهم و متضمنها. و منه
قوله صَلي اللّهُ عَليه و آله (و لعل بعضكم ألحن بحجته)
أي أذهب بها في الجهات لقوته علي تصريف الكلام، و اللحن الذهاب عن الصواب في الاعراب، و اللحن ذهاب الكلام إلي خلاف جهته. ثم قال «وَ اللّهُ يَعلَمُ أَعمالَكُم» الطاعات منها و المعاصي، فيجازيكم بحسبها.