لقراءة القرآن منه و سمع ما يؤديه إلي الحق من الوحي و ما يدعوه اليه، فلا يصغي اليه و لا ينتفع به حتي إذا خرج من عنده لم يدر ما سمعه و لا فهمه، و يسألون أهل العلم الّذين آتاهم اللّه العلم و الفهم من المؤمنين (ما ذا قالَ آنِفاً) اي أي شيء قال الساعة! و قيل: معناه قريباً مبتدياً. و قيل: إنهم كانوا يتسمعون للخطبة يوم الجمعة و هم المنافقون، و الآنف الجائي بأول المعني و منه الاستئناف، و هو استقبال الأمر بأول المعني، و منه الانف لأنه أول ما يبدو من صاحبه، و منه الأنفة رفع النفس عن أول الدخول في الرتبة. و إنما قال (وَ مِنهُم مَن يَستَمِعُ إِلَيكَ) فرده إلي لفظة (من) و هي موحدة. ثم قال (حَتّي إِذا خَرَجُوا) بلفظ الجمع برده إلي المعني، لان (من) يقع علي الواحد و الجماعة.
ثم قال تعالي (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلي قُلُوبِهِم) أي وسم قلوبهم و جعل عليها علامة تدل علي انهم كفار لا يؤمنون، و هو كالختم و إن صاحبه لا يؤمن فطبع اللّه علي قلوب هؤلاء الكفار ذماً لهم علي كفرهم أي لكونهم عادلين عن الحق و اخبر أنهم (اتبعوا) في ذلک (أهواءهم) و هو شهوة نفوسهم و ما مال اليه طبعهم دون ما قامت عليه الحجة يقال: هوي يهوي هوي فهو هاو، و استهواه هذا الأمر أي دعاه إلي الهوي.
ثم وصف تعالي المؤمنين فقال (وَ الَّذِينَ اهتَدَوا) إلي الحق، و وصلوا إلي الهدي و الايمان (زادهم هدي) فالضمير في زادهم يحتمل ثلاثة أوجه:
أحدها- زادهم اللّه هدي بما ينزل عليهم من الآيات و الأحكام، فإذا أقروا بها و عرفوها زادت معارفهم.
الثاني- زادهم ما قال النبي صَلي اللّهُ عَليه و آله هدي.
الثالث- زادهم استهزاء المنافقين إيماناً.