لا يلبث من خير أو شر، فلما رأووا العارض ظنوا انه عارض خير بالمطر، فقيل لهم ليس الأمر کما ظننتم «بَل هُوَ مَا استَعجَلتُم» أي هو عارض من العذاب ألذي استعجلتموه و طلبتموه مكذبين به، و قال (عارض) نكرة و (ممطرنا) معرفة، و إنما وصفه به لان التقدير ممطر إيانا، كقولك: مررت برجل مثلك أي مثل لك ثم فسره فقال «هو ريح فيه عذاب عظيم» أي مؤلم، و سمي السحاب عارضاً، لأخذه في عرض السماء، و قال الأعشي:
يا من رأي عارضاً قد بت أرمقه كأنما البرق في حافاته الشعل[1]
و قيل: كانت الريح ترفع الظعينة بحملها حتي تري كأنها جرادة- في قول عمرو بن ميمون- و قوله تعالي «تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ» أي تخرب و تلقي بعض الأشياء علي بعض حتي تهلك، قال جرير:
و کان لهم كبكر ثمود لما رغا ظهراً فدمرهم دمارا[2]
.
و قوله «فَأَصبَحُوا» يعني اهل الأحقاف «لا يُري إِلّا مَساكِنُهُم» و ما عداها قد هلك. فمن فتح التاء نصب النون من (مساكنهم) علي وجه الخطاب للنبي صَلي اللّهُ عَليه و آله. و من ضم الياء ضم النون و تقديره فأصبحوا لا يري شيء في مساكنهم و قرأ الحسن بالتاء و الضم. و قال النحويون: القراءة بالياء ضعيفة في العربية، لأن العرب تذكر ما قبل (الا) في الجحد، فتقول: ما قام إلا أختك، لان المحذوف (أحد) و تقديره ما قام احد إلا أختك قامت.
ثم قال تعالي مثل ما أهلكنا اهل الأحقاف و جازيناهم بالعذاب «كَذلِكَ نَجزِي القَومَ المُجرِمِينَ» الّذين سلكوا مسلكهم.