ثم قال مهدداً لهم «وَيلٌ لِكُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ» فالويل قيل: إنه واد سائل من جهنم صديد أهلها. و قيل: إن الويل كلمة يتلقي بها الكفار و الفساق تتضمن استحقاقهم العقاب، و الأفاك الكذّاب و يطلق ذلک علي من يكثر كذبه او يعظم كذبه و إن کان في خبر واحد، ككذب مسيلمة في ادعاء النبوة. و الأثيم ذو الإثم، و هو صاحب المعصية الّتي يستحق بها العقاب.
ثم وصف هذا الأفاك الأثيم، فقال «يَسمَعُ آياتِ اللّهِ» أي حججه «تُتلي عَلَيهِ» أي تقرأ «ثُمَّ يُصِرُّ» أي يقيم مصرّاً علي كفره «مُستَكبِراً» متجبراً عن النظر في آيات اللّه لا ينظر فيها و لا يعتبر بها «كَأَن لَم يَسمَعها» أصلا.
ثم أمر نبيه صَلي اللّهُ عَليه و آله أن يبشر من هذه صفته فقال «فَبَشِّرهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» أي مؤلم موجع. ثم عاد تعالي إلي وصفه فقال (وَ إِذا عَلِمَ مِن آياتِنا شَيئاً اتَّخَذَها هُزُواً) أي إذا علم هذا الأفاك الأثيم من حجج اللّه تعالي و أدلته شيئاً و سمعها (اتَّخَذَها هُزُواً) أي سخر منها و تلهي بها، کما فعل ابو جهل حين سمع قوله (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الأَثِيمِ)[1] ثم قال أولئك يعني من هذه صفته (لَهُم عَذابٌ مُهِينٌ) أي مذل لهم. ثم قال (مِن وَرائِهِم جَهَنَّمُ) أي من بين أيديهم يعني يوم القيامة (جهنم) معدة لهم و إنما قيل: لما بين أيديهم من ورائهم، و الوراء هو الخلف، لأنه يکون مستقبل أوقاتهم بعد تقضيهم و معناه ما تواري عنهم قد يکون قداماً و خلفاً فهو لهذه العلة يصلح فيه الوجهان ثم قال تعالي «وَ لا يُغنِي عَنهُم» إذا جعلوا في جهنم ما كسبوه في دار الدنيا من جمع الأموال و لا شيئاً يغني عنهم أيضاً (مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللّهِ أَولِياءَ) يتولونهم و يحبونهم لينصروهم و يدفعوا عنهم (وَ لَهُم عَذابٌ عَظِيمٌ) و وصفه بأنه عظيم، لأنه مؤبد نعوذ باللّه منه.