تعالي «وَ جَعَلنَا ابنَ مَريَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً»[1] و لو ثني لكان حسناً- في قول الفراء- و قوله «لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ» معناه لكي يتقوا معاصي اللّه خوفاً من عقابه.
ثم قال تعالي «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ» فالتشاكس التمانع و التنازع، تشاكسوا في الأمر تشاكساً، و في الشركاء تشاكس في البيع، و تدبير المملوك و نحو ذلک «وَ رَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ» فضرب المثل للموحد بعبادته اللّه تعالي وحده- عز و جل- و المشرك بعبادته غير اللّه- في قول إبن عباس و مجاهد و قتادة و إبن زيد- (هَل يَستَوِيانِ مَثَلًا) في حسن الحال، لا يستويان لان الخالص لمالك واحد يستحق من معونته و حياطته ما لا يستحقه صاحب الشركاء المختلفين في أمره.
ثم قال (الحمد للّه) يعني المستحق للشكر و الثناء علي الحقيقية هو اللّه تعالي (بَل أَكثَرُهُم لا يَعلَمُونَ) حقيقة، لجهلهم باللّه و مواضع نعمه. ثم قال لنبيه (إنك) يا محمّد (ميت) أي عاقبتك الموت، و كذلك هؤلاء لأن (كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ)[2] (ثم إنكم) يبعثكم اللّه (يوم القيامة) و يحشركم يوم القيامة فتختصمون عند اللّه. و معناه کل طائفة منكم ترد علي صاحبتها يوم القيامة و تخاصمها، فالاختصام رد کل واحد من الاثنين ما اتي به الآخر علي وجه الإنكار عليه. و قد يکون أحدهما- محقاً و الآخر مبطلا كالموحد و الملحد. و قد يكونان جميعاً مبطلين كاختصام اليهودي و النصراني، و قد يكونان جميعاً محقين إذا قطع کل واحد منهما علي صواب اعتقاده دون غيره، و يکون اختصامهم في الآخرة بذم رؤساء الضلالة في ما دعوهم اليه و دفع أولئك عن أنفسهم، فيقول الأولون: لولا أنتم لكنا مؤمنين