و قوله (إِنّا أَنزَلناهُ فِي لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ) إخبار منه تعالي أنه انزل القرآن في الليلة المباركة، و هي ليلة القدر- في قول قتادة و إبن زيد- و قال قوم: هي ليلة النصف من شعبان. و الأول أصح لقوله تعالي (شَهرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرآنُ)[1] و قيل هي في کل شهر رمضان فيها تقسم الآجال و الأرزاق و غيرهما من الألطاف- في قول الحسن- و قيل: انزل إلي السماء الدنيا في ليلة القدر.
ثم انزل نجوماً علي النبي صَلي اللّهُ عَليه و آله و قيل ينزل في ليلة القدر قدر ما يحتاج اليه في تلك السنة. و قيل المعني إن ابتداء انزاله في ليلة مباركة، و وصفها بأنها مباركة لان فيها يقسم اللّه تعالي نعمه علي عباده من السنة إلي السنة. و البركة نماء الخير. و ضده الشؤم و هو نماء الشر، فالليلة الّتي انزل فيها كتاب اللّه مباركة، فان الخير ينمي فيها علي ما دبره اللّه لها من علو الخير ألذي قسمه فيها.
و قوله (إِنّا كُنّا مُنذِرِينَ) فالانذار الاعلام بموضع الخوف ليتقي و موضع الأمن ليرتجي، فاللّه تعالي قد انذر العباد بأتم الانذار من طريق العقل و السمع و قوله (فِيها يُفرَقُ كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ) فحكيم- هاهنا- بمعني محكم، و هو ما بيناه من انه تعالي يقسم في هذه الليلة الآجال و الأرزاق و غيرها.