کان حقيقته مقدورة فيه، و كذلك لا يقال تبني انسان بهيمة لما کان يستحيل أن يکون مخلوقاً من مائه او علي فراشه، فلما استحال حقيقته علي اللّه تعالي استحال عليه مجازه ايضاً. و إنما جاز أن يقال روح اللّه، و لم يجز ان يقال ولد اللّه لأن روح اللّه بمعني ملك اللّه للروح، و إنما أضيف اليه تشريفاً. و إن كانت الأرواح كلها للّه بمعني انه مالك لها. و لا يعرف مثل ذلک في الولد. ثم نزه نفسه تعالي عن اتخاذ الولد فقال (سُبحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَ الأَرضِ) يعني ألذي خلقهن (رب العرش) أي خالفه و مدبره (عما يصفون) من اتخاذ الولد، لأن من قدر علي خلق ذلک و إنشائه مستغن عن اتخاذ الولد.
ثم قال لنبيه صَلي اللّهُ عَليه و آله علي وجه التهديد للكفار (فذرهم) أي اتركهم (يخوضوا) في الباطل (وَ يَلعَبُوا حَتّي يُلاقُوا يَومَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) بمعني يوعدون فيه بالعذاب الأبدي. و قال تعالي (وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ) أي يحق له العبادة في السماء و يحق له العبادة في الإرض، و إنما كرر لفظة إليه في قوله (و في الإرض إله) لأحد أمرين:
أحدهما- للتأكيد ليتمكن المعني في النفس لعظمه في باب الحق.
الثاني- إن المعني هو في السماء إله، يجب علي الملائكة عبادته، و في الإرض اله يجب علي الآدميين عبادته (و هو الحكيم) في جميع أفعاله (العليم) بجميع المعلومات (و تبارك) و هو مأخوذ من البرك و هو الثبوت، و معناه جل الثابت ألذي لم يزل و لا يزال. و قيل: معناه جل ألذي عمت بركة ذكره (الَّذِي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَ الأَرضِ) أي ألذي له التصرف فيهما بلا دافع و لا منازع (وَ ما بَينَهُما وَ عِندَهُ عِلمُ السّاعَةِ) يعني علم يوم القيامة، لأنه لا يعلم وقته علي التعيين غيره (و اليه ترجعون) يوم القيامة فيجازي كلا علي قدر عمله.