و الآخر قبيح إلا من کان عارفاً باللّه و بما يجوز عليه و ما لا يجوز، و ذلک ينافي حال الصبيان، ثم نسب تزيين عملهم الي الشيطان، و هذا قول من عرفه و عرف ما يجوز عليه في عدله، و أن القبيح لا يجوز عليه، ثم حكي أنه قال إن الشيطان صدهم عن السبيل: الحق بإغوائهم، و انهم مع هذا الصد لا يهتدون الي الحق من توحيد اللّه و عدله.
و قال ابو عبد اللّه البصري في بعض المواضع: إن الهدهد کان رجلا من البشر اسمه هدهد، و لم يكن من الطير و هذا غلط لأن اللّه تعالي قال «و تفقد» يعني سليمان تفقد «الطَّيرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَي الهُدهُدَ» فكيف يحمل ذلک علي انه اسم رجل!؟ إن هذا من بعيد الأقوال. و قال الفراء: من قرأ «ألا» بالتخفيف، فهو موضع سجدوا، و من ثقل، فلا ينبغي أن يکون موضع سجدوا و قد يجوز السجود علي مخالفة تزيين الشيطان. و معني «و يعلم ما يخفون و ما يعلنون» أي ما يسرون في نفوسهم، و ما يظهرونه. و قرأ الكسائي و حفص «ما تُخفُونَ وَ ما تُعلِنُونَ» بالتاء فيهما علي الخطاب. الباقون بالياء علي الخبر.
ثم اخبر فقال «اللّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ رَبُّ العَرشِ العَظِيمِ» الي هاهنا تمام حكاية ما قاله الهدهد. و (العرش) سرير الملك ألذي عظمه الله و رفعه فوق السموات السبع و جعل الملائكة تحف به و ترفع أعمال العباد اليه، و تنشأ البركات من جهته فهو عظيم الشأن، کما وصفه تعالي.
قالَ سَنَنظُرُ أَ صَدَقتَ أَم كُنتَ مِنَ الكاذِبِينَ (27) اذهَب بِكِتابِي هذا فَأَلقِه إِلَيهِم ثُمَّ تَوَلَّ عَنهُم فَانظُر ما ذا يَرجِعُونَ (28) قالَت يا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيمانَ وَ إِنَّهُ بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ (30) أَلاّ تَعلُوا عَلَيَّ وَ أتُونِي مُسلِمِينَ (31)