«لا تَناصَرُونَ» بمعني لا تتناصرون، و لذلك شدد بعضهم التاء، و من لم يشدد حذف إحداهما، و المعني لم لا يدفع بعضكم عن بعض ان قدرتم عليه.
ثم قال تعالي انهم لا يقدرون علي التناصر و التدافع لكن «هُمُ اليَومَ مُستَسلِمُونَ» و معنا مسترسلون مستحدثون يقال: استسلم استسلاماً إذا القي بيده غير منازع في ما يراد منه. و قيل: معناه مسترسلون لما لا يستطيعون له دفعاً و لا منه امتناعاً.
و قوله «وَ أَقبَلَ بَعضُهُم عَلي بَعضٍ يَتَساءَلُونَ» اخبار منه تعالي إن کل واحد من الكفار يقبل علي صاحبه ألذي أغواه علي وجه التأنيب و التضعيف له يسأله لم غررتني! و يقول ذاك لم قبلت مني.
و قوله «قالُوا إِنَّكُم كُنتُم تَأتُونَنا عَنِ اليَمِينِ» حكاية ما يقول الكفار لمن قبلوا منهم إنكم: كنتم تأتوننا من جهة النصيحة و اليمن و البركة، فلذلك اغتررنا بكم و العرب تتيمن بما جاء من جهة اليمين. و قال الفراء: معناه إنكم كنتم تأتوننا من قبل اليمين، فتخدعوننا من أقوي الوجوه. و اليمين القوة و منه قوله «فَراغَ عَلَيهِم ضَرباً بِاليَمِينِ»[1] أي بالقوة ثم حكي ما يقول أولئك لهم في جواب ذلک: ليس الأمر علي ما قلتم بل لم تكونوا مصدقين باللّه و لم يكن لنا عليكم في ترك الحق من سلطان و لا قدرة فلا تسقطوا اللوم عن أنفسكم فانه لازم لكم و لاحق بكم. و قال قتادة: أقبل الأنس علي الجن يتساءلون بأن كنتم أنتم معاشر الكفار قوماً طاغين أي باغين، تجاوزتم الحد إلي افحش الظلم، و أصله تجاوز الحد في العظم و منه قوله «إِنّا لَمّا طَغَي الماءُ حَمَلناكُم فِي الجارِيَةِ»[2] و طغيانهم كفرهم باللّه، لأنهم تجاوزوا في ذلک الحد