اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 6 صفحة : 466
الشرّ، و قد جري مجري الأصوات، فزال عنه الاعراب مثل (صه) و معناه اسكت، و مه و معناه كفَّ و هيهات هيهات اي بعيد بعيد، فإذا نوّنت أردت النكرة أي سكوتا و قبحاً، و إذا لم تنون أردت المعرفة. و إنما جاز تحريك الفاء بالضم و الفتح و الكسر، لان حركتها ليست حركة إعراب، و انما هي حركة التقاء الساكنين فتفتح لخفة الفتحة، و تضم اتباعاً للضم قبله، و قيل تضم تشبيهاً بقبل و بعد و تكسر علي أصل حركة التقاء الساكنين.
و في (أف) سبع لغات: أفٍ و افِّ و افَّا و أفي مماله، و زاد إبن الانباري بسكون الفاء. و روي عن الرضا عن أبية عن جعفر بن محمّد (ع) انه قال (لو علم اللّه لفظ أوجز في ترك عقوق الوالدين من (أف) لاتي به). فان قيل هل أباح اللّه أن يقال لهما أف قبل أن يبلغا الكبر! قلنا: لا، لأن اللّه أوجب علي الولد إطاعة الوالدين علي کل حال، و حظر عليه أذاهما و إنما خصّ الكبر، لأن وقت كبر الوالدين مما يضطر فيه الوالدان إلي الخدمة إذا كانا محتاجين عند الكبر، و في المثل يقال فلان أبر من النسر، لان النسر إذا كبر و لم ينهض للطيران جاء الفرخ فزقه، کما کان أبواه يزقانه، و مثله قوله «وَ يُكَلِّمُ النّاسَ فِي المَهدِ وَ كَهلًا»[1] و الوجه في قوله «و كهلا» مع ان النّاس يكلمون كلهم حال الكهولة ان اللّه اخبر أن عيسي يكلم في المهد أعجوبة و أخبر أنه يعيش حتي يكتهل و يتكلم بعد الكهولة، و نحوه قوله «وَ الأَمرُ يَومَئِذٍ لِلّهِ»[2] و انما خصّ ذلک اليوم بأن الأمر للّه، لأن في الدنيا مع أنه يملك، قد ملك اقواماً جعلهم ملوكاً و خلفاء، و ذلک اليوم لا يملك سواه.
معني قوله «وَ قَضي رَبُّكَ أَلّا تَعبُدُوا إِلّا إِيّاهُ» أمر، في قول إبن عباس و الحسن و قتادة و إبن زيد. فإن قيل: الامر لا يکون أمراً بألّا يکون الشيء، لأنه يقتضي إرادة المأمور به، و الإرادة لا تتعلق بألّا يکون الشيء، و إنما تتعلق بحدوث الشيء.
قلنا: المعني انه كره ربكم عبادة غيره و أراد منكم عبادته علي وجه الإخلاص