فإن قيل: أيّ معني لتقدم الارادة! فإن كانت متعلقة بإهلاك يستحق بغير الفسق المذكور في الآية، فلا معني لقوله «وَ إِذا أَرَدنا ... أَمَرنا»، لأن أمره بما يأمر به لا يحسن إرادته للعقاب المستحق بما تقدم من الأفعال، و إن كانت الارادة متعلقة بالإهلاك المستحق بمخالفة الأمر المذكور في الآية، فهو ألذي تأبونه، لأنه يقتضي أنه تعالي مريد لإهلاك من لم يستحق العقاب؟؟.
قلنا: لم تتعلق الارادة إلا بالإهلاك المستحق بما تقدم من الذنوب، و إنما حسن قوله «إِذا أَرَدنا ... أَمَرنا» أن في تكرار الأمر بالطاعة بالايمان إعذاراً للعصاة و إنذاراً لهم و إيجاباً للحجة عليهم، و يقوي ذلک قوله قبل هذه الآية «وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّي نَبعَثَ رَسُولًا» منبهاً بذلك أنه أراد إثبات الحجة و تكررها عليهم الثاني- أن يکون قوله «أَمَرنا مُترَفِيها» من صفة القرية وصلتها، و لا يکون جواباً لقوله «وَ إِذا أَرَدنا» و يکون تقدير الكلام: و إذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا «أَمَرنا مُترَفِيها فَفَسَقُوا فِيها» و لا يکون ل (إذا) جواب ظاهر في اللفظ، للاستغناء عنه بما في الكلام من الدلالة عليه، و مثله قوله «حَتّي إِذا جاؤُها وَ فُتِحَت أَبوابُها وَ قالَ لَهُم خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيكُم» إلي قوله «فَنِعمَ أَجرُ العامِلِينَ»[1] و لم يأت ل (إذا) جواب في طول الكلام للاستغناء عنه، و قال الهذلي:
حتي إذا أسلكوهم في قتائدة شلًا کما يطرد الجمالة الشردا[2]
فحذف جواب (إذا) و لم يأت به، لأن هذا البيت آخر القصيدة.
الثالث- أن يکون الكلام علي التقديم و التأخير، و تقديره إذا أمرنا مترفي قرية بالطاعة، فعصوا، و استحقوا العقاب، أردنا إهلاكهم، و يشهد بهذا التأويل قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمتُم إِلَي الصَّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم»[3] فالطهارة انما