آية بلا خلاف.
هذه الآية تتضمن وصف القرآن بغاية ما يمكن من علو المنزلة و بلوغه أعلي طبقات الجلال، لأنه تعالي قال «لَو أَنَّ قُرآناً سُيِّرَت بِهِ الجِبالُ» من مواضعها و قلعت من أماكنها لعظم محله و جلالة قدره. و التسيير تصيير الشيء بحيث يسير، تقول سار يسير سيراً، و سيره غيره تسييراً. «أَو قُطِّعَت بِهِ الأَرضُ» لمثل ذلک.
و التقطيع تكثير القطع، قطعه قطعة، و قطّعه تقطيعاً. و القطع فصل المتصل.
«أَو كُلِّمَ بِهِ المَوتي» لمثل ذلک حتي يعيشوا او يحيوا، تقول: كلمه كلاماً، و تكلم تكلماً، و الكلام ما انتظم من حرفين فصاعداً من الحروف المعقولة إِذا وقع ممن يصح منه او من قبيلة، لافادة. و (الموتي) جمع ميت مثل صريع و صرعي، و جريح و جرحي. و لم يجئ جواب (لو) لدلالة الكلام عليه، و تقديره: لكان هذا القرآن لعظم محله في نفسه و جلالة قدره. و کان سبب ذلک أنهم سألوا النبي صلّي اللّه عليه و سلّم ان يسيّر عنهم جبال مكة لتتسع عليهم المواضع، فأنزل اللّه تعالي الآية، و بين انه لو سيرت الجبال بكلام، لسيرت بهذا القرآن لعظم مرتبته و جلالة قدره. و قد يحذف جواب (لو) إِذا کان في الكلام دلالة عليه، قال امرؤ القيس:
فلو انها نفس تموت سوية و لكنها نفس تساقط أنفسا[1]
و هو آخر القصيدة، و قال الآخر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك و لكن لم نجد لك مدفعا[2]
و قال الفراء: يجوز ان يکون جوابه (لكفروا بالرحمن) لتقدم ما يقتضيه،