و قال ابو النجم:
ان يمس رأسي اشمط العناصي كأنما فرقه مناصي[1]
اي يجاذب ليتصل به في مره، و انما قال أخذ بناصيتها مع انه مالك لجميعها لما في ذلک من تصوير حالها علي عادة معروفة من أمرها في إذلالها، فكل دابة في هذه المنزلة في الذلة للّه تعالي. و قوله «إِنَّ رَبِّي عَلي صِراطٍ مُستَقِيمٍ» معناه أن أمر ربي في تدبير خلقه علي صراط مستقيم لا عوج فيه و لا اضطراب، فهو يجري علي سبيل الصواب لا يعدل الي اليمين و الشمال و الفساد. و الفائدة هنا ان ربي و إن کان قادراً علي التصريف في کل شيء فانه لا يفعل إلا العدل و لا يشاء الا الخير.
فَإِن تَوَلَّوا فَقَد أَبلَغتُكُم ما أُرسِلتُ بِهِ إِلَيكُم وَ يَستَخلِفُ رَبِّي قَوماً غَيرَكُم وَ لا تَضُرُّونَهُ شَيئاً إِنَّ رَبِّي عَلي كُلِّ شَيءٍ حَفِيظٌ (57)
آية بلا خلاف.
معني الاية حكاية ما قال هود لقومه من قوله لهم ان توليتم، فليس ذلک لتقصير في ابلاغكم و انما هو لسوء اختياركم في الاعراض عن نصحكم، و يجوز ان يکون ذلک حكاية ما قال اللّه لهود انهم ان تولوا فقل لهم فقد أبلغتكم. و قال الزجاج: التقدير فان تتولوا فحذف احدي التائين، لدلالة الكلام عليها، فعلي هذا تقديره قل لهم فان تتولوا، و مثله قال الجبائي. و التولي الذهاب الي خلاف جهة الشيء و هو الاعراض عنه. و المعني هنا التولي عما دعوتكم اليه من عبادة اللّه، و اتباع أمره، و الإبلاغ إلحاق الشيء بنهايته، و ذلک انه قد يلحق الحرف بالحرف علي جهة الوصل، فلا يکون إبلاغاً، لأنه لم يستمر الي نهايته.