إن قد أغني عنه ما تقدم من قوله: «لا يَجرِمَنَّكُم» و المعني إن صدوكم قوم عن المسجد الحرام، فلا تكسبوا عدواناً. و من فتح الهمزة، فلانه مفعول له و التقدير لا يجرمنكم شنآن قوم، لان صدوركم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، فان الثانية في موضع نصب بانه المفعول الثاني، و الأولي منصوبة، لأنه مفعول له و قوله:
«أَن تَعتَدُوا» معناه إن تجاوزوا حكم اللّه فيهم إلي ما نهاكم عنه. و ذكر انها نزلت في النهي عن الطلب بدخول الجاهلية. ذهب اليه مجاهد و قال: هذا غير منسوخ. و هو الاولي. و قال غيره هو منسوخ ذهب اليه إبن زيد. و إنما قلنا: إنه غير منسوخ، لان معناه لا تتعدوا الحق فيما أمرتكم به. و إذا احتمل ذلک، لم يخبر أن يقال هو منسوخ إلا بحجة.
و قوله: و تعاونوا علي البر و التقوي و لا تعاونوا علي الإثم و العدوان ليس بعطف علي أن تعتدوا، فيكون في موضع نصب، بل هو استئناف كلام أمر اللّه تعالي الخلق بان يعين بعضهم بعضاً علي البر و هو العمل بما أمرهم اللّه به، و اتقاء ما نهاهم عنه، و نهاهم ان يعين بعضهم بعضاً علي الإثم. و هو ترك ما أمرهم به، و ارتكاب ما نهاهم عنه من العدوان، و نهاهم ان يجاوزوا ما حد اللّه لهم في دينهم، و فرض لهم في أنفسهم و به قال إبن عباس و ابو العالية و غيرهما من المفسرين.
و قوله: «وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقابِ» أمر من اللّه، و وعيد و تهديد لمن اعتدي حدوده، و تجاوز أمره بقول اللّه: اتقوا اللّه. و معناه احذروا معاصيه و تعدي حدوده فيما أمركم به و نهاكم عنه، فتستوجبوا عقابه متي خالفتم و تستحقوا