أمواتكم حدود اللّه، يعني فصول بين طاعة اللّه و معصيته علي ما قال إبن عباس، و المعني تلك حدود طاعة اللّه، و انما اختص لوضوح المعني للمخاطبين.
فان قيل: إذا کان ما تقدم ذكره دل علي أنها حدود اللّه، فما الفائدة في هذا القول! قلنا عنه جوابان:
أحدهما- للتأكيد، و الثاني- أن الوجه في إعادته ما علق به من الوعد و الوعيد الصريح.
فان قيل: لم خصت الطاعة في قسمة الميراث بالوعد، مع أنه واجب في کل طاعة إذا فعلت لوجه الوجوب! قلنا: للبيان عن عظم موقع هذه الطاعة، مع التذكير بما يستحق عليها ترغيباً فيها بوعد مقطوع. و قوله: «يُدخِلهُ جَنّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدِينَ فِيها» نصب علي الحال. قال الزجاج و التقدير:
يدخلهم مقدرين الخلود فيها، و الحال يستقبل فيها، کما تقول: مررت برجل معه باز، صائداً به غدا، أي يقدر الصيد به غدا. و قوله: «وَ ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ» معناه الفلاح العظيم، فوصفه بأنه عظيم و لم يبين بالاضافة إلي ما ذا، لأن المراد به أنه عظيم بالاضافة إلي منفعة الخيانة في التركة، من حيث کان أمر الدنيا حقيراً بالاضافة إلي أمر الآخرة. و قوله: «وَ مَن يَعصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ» معناه يعصي اللّه فيما بينه من الفرائض، و أموال اليتامي، «وَ يَتَعَدَّ» معناه:
يتجاوز ما بين له، «يُدخِلهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ» و خالدا نصب علي أحد وجهين.
أحدهما- أن يکون حالا من الهاء في يدخله.
و الآخرة- أن يکون صفة لنار في قول الزجاج، كقولك: زيد مررت بدار ساكن فيها، علي حذف الضمير، و التقدير: ساكن هو فيها، لأن اسم الفاعل إذا جري علي غير من هو له لم يتضمن الضمير کما يتضمنه الفعل لو قلت: يسكن فيها.
و استدلت المعتزلة بهذه الآية علي أن فاسق أهل الصلاة مخلد في النار، و معاقب لا محالة، و هذا لا دلالة لهم فيه من وجوه، لأن قوله: «وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ» إشارة