لا أحد يستحق إطلاق هذه الصفة إلا هو، فوصل ذلک بذكر التوحيد في الإلهية لأنه حجة علي صحته من حيث لو کان إله آخر، لبطل إطلاق هذه الصفة.
و موضع هو من الاعراب يحتمل أمرين:
أحدهما- أن يکون فصلا، و هو ألذي تسمية الكوفيون عماداً، فلا يکون له موضع من الاعراب، لأنه في حكم الحرف و يکون القصص خبر إن. و الآخر- أن يکون اسماً موضعه رفع بالابتداء و القصص خبر إن و الجملة خبر إن.
فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالمُفسِدِينَ (63)
التولي عن الحق هو اعتقاد خلافه بعد ظهوره، لأنه كالادبار عنه بعد الإقبال. و تولي عنه خلاف تولي إليه. و الأصل واحد کما أن رغب عنه خلاف رغب فيه. و هو الزوال بالوجه عن جهته إلي غيره، فأصل التولي كون الشيء يلي غيره من غير فصل بينه و بينه، فقيل تولي عنه أي زال عن جهته. و قوله: «فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالمُفسِدِينَ» إنما خص المفسدين بأنه عليم بهم علي جهة التهديد لهم، و الوعد بما يعلمه مما وقع من إفسادهم کما يقول القائل أنا أعلم بسر فلان، و ما يجري إليه من الفساد. و الإفساد إيقاع الشيء علي خلاف ما توجبه الحكمة، و هو ضد الإصلاح، لأنه إيقاع الشيء علي مقدار ما توجبه الحكمة. و الفرق بين الفساد، و القبيح: أن الفساد تغيير عن المقدار ألذي تدعو إليه الحكمة بدلالة أن نقيضه الصلاح، فإذا قصر عن المقدار أو أفرط لم يصلح، فإذا کان علي المقدار صلح، و ليس كذلك القبيح، لأنه ليس فيه معني المقدار. و إنما القبيح ما تزجر عنه الحكمة کما أن الحسن ما تدعو إليه الحكمة.