اسم الکتاب : تفسير التبيان المؤلف : الشيخ الطوسي الجزء : 10 صفحة : 172
هذا خطاب من اللّه تعالي لنبيه محمّد صلي اللّه عليه و آله يقول له (يا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ) و أصله المتدثر بثيابه، فأدغمت التاء في الدال، لأنها من مخرجها مع أن الدال أقوي بالجهر فيها، يقال: تدثر تدثراً و دثره تدثيراً، و دثر الرسم يدثر دثوراً إذا محي أثره، فكأنه قال: يا ايها الطالب صرف الأذي بالدثار اطلبه بالإنذار.
و قوله «قُم فَأَنذِر» أمر من اللّه تعالي له أن يقوم و ينذر قومه، و الانذار الاعلام بموضع المخافة ليتقي، فلما کان لا مخافة أشد من الخوف من عقاب اللّه کان الانذار منه اجلّ الانذار، و تقديره قم إلي الكفار فأنذر من النار.
و قوله «وَ رَبَّكَ» منصوب ب «كبر» و التكبير وصف الأكبر علي اعتقاد معناه كتكبير المكبر في الصلاة بقوله اللّه اكبر، و التكبير نقيض التصغير، و مثله التعظيم. و الكبير الشأن هو المختص باتساع المقدور و المعلوم من غير مانع من الجود.
فاللّه تعالي قادر لا يعجزه شيء، و عالم لا يخفي عليه شيء لا يمنعه من الجود علي عباده شيء، فهو اكبر من کل كبير بما لا يساويه شيء، و اختصاصه بالمقدور و المعلوم بأنه ما صح من مقدور او معلوم فهو قادر عليه عالم به فهو لنفسه كبير و اكبر من کل كبير سواه.
و قوله «وَ ثِيابَكَ فَطَهِّر» أي و طهر ثيابك فهو منصوب به. و الطهارة النظافة بانتفاء النجاسة، لأن النظافة قد تكون بانتفاء الوسخ من غير نجاسة، و قد تكون بانتفاء النجاسة. فالطهارة في الآية هو القسم الأخير. و قال إبن عباس «وَ ثِيابَكَ فَطَهِّر» معناه من لبسها علي معصيته، کما قال سلامة بن غيلان الثقفي- أنشده إبن عباس:
و إني بحمد اللّه لا ثوب فاجر لبست و لا من غدة أتقنع[1]