هو أن العاقل إنما
يخضع لمن سواه ويعبده ، ويتوجه إليه بحوائجه ، إما لكمال في ذلك المعبود المستعان
ـ والناقص مجبول على الخضوع للكامل ـ وإما لاحسانه وإنعامه عليه ، وإما لاحتياج
الناقص في جلب منفعة أو دفع مضرة ، وإما لقهر الكامل وسلطانه فيخضع له خوفا من
مخالفته وعصيانه.
هذه هي الاسباب الموجبة للعبادة
والخضوع. وأيها ينظر فيه العاقل يراه منحصرا في الله سبحانه. فالله هو المستحق
للحمد ، فانه المستجمع لجميع صفات الكمال ، بحيث لا يتطرق إلى ساحة قدسه شائبة
نقص. والله هو المنعم على جميع العوالم الظاهرية والباطنية المجتمعة والمتدرجة ، وهو
مربيها تكوينا وتشريعا. والله هو المتصف بالرحمة الواسعة غير القابلة للزوال.
والله هو المالك المطلق ، والسلطان على الخلق بلا شريك ولا منازع. فهو المعبود
بالحق لكماله وإنعامه ورحمته وسلطانه ، فلا يتوجه الانسان العاقل إلا إليه ، ولا
يعبد إلا إياه ، ولا يستعين إلا به ، ولا يتوكل إلا عليه ، لان ما سوى الله ممكن ،
والممكن محتاج في ذاته. والاستعانة والعبادة لا تكونان إلا للغني :