أ لا تعجب من رجل يعيش حوالي ثلاثا و ستين سنة ، و يخطب الخطب الطوال ، و يحتج بأنواع الاحتجاجات و له من الخصماء و الاعداء عدد الشعر و الوبر ،
و يحضر الغزوات و الحروب ، و يكثر كلامه هذه الكثرة ، فهذا كتاب نهج البلاغة ،
و هو المختار من كلامه عليه السلام ، و لو أراد الرضي أن يجمع جميع كلام الامام عليه السلام ، لألّف كتابا يزيد على نهج البلاغة أربعين ضعفا ، و لكن الرضي ( ره ) اختار هذه الخطب في كتابه ، و سماه بهذا الاسم ليكون انموذجا من فصاحة امير المؤمنين عليه السلام و بلاغته ، و سعة اطلاعه بالموجودات . و يظهر ضمنا شيء من شخصية امير المؤمنين عليه السلام و قليل من غرازة علمه . فهذا الرجل الموصوف بهذه الأوصاف لا يكذب كذبة واحدة ، هل تعرف من متقمصي الخلافة من الامويين و العباسيين ، رجلا استطاع أن يتفوه بهذا الكلام في مركز الاسلام و مطلعه ، و هو مسجد النبي الأقدس ، و في المسجد الموالي و المعادي و سائر الناس ؟ ؟
و ليت شعرى من يستحق لقب الصديق ، أ هذا الرجل ؟ ام الذي قال :
سمعت رسول اللّه يقول : نحن معاشر الانبياء لا نورث ؟ ( و لقد نبئت بهذا المقام و هذا اليوم ) كشف أمير المؤمنين عليه السلام الغطاء عن أمره للمسلمين ، فقال : أنبئني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ، و اخبرني بان الخلافة ستعود إلي ، و يبايعني الناس فى هذا اليوم و هذا المكان ، أى لا يقولن احدكم : كانت بيعة علي فلتة بغتة ، و لا يقول قائل : ( ان هذه البيعة من جملة القضايا الاتفاقية ، و انتقلت البيعة الى علي عليه السلام بسبب جماعة من الكوفيين و المصريين الثوار الذين اجتمعوا فى المدينة لقطع يد العابثين في المملكة الاسلامية ) و هنا نقطع شريط الكلام ، و نلتقي بك أيها القارىء في الجزء الثانى من الكتاب ان شاء اللّه ، فقد انتهى الجزء الأول و اللّه الموفق و الحمد له اولا و آخرا .