اسم الکتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية و الأصول الإعتقادية المؤلف : المحسني، الشيخ محمد آصف الجزء : 1 صفحة : 79
تحليل و تسجيل
الماهية
قبل انتسابها و ارتباطها بجاعلها لا شيء محض، و إنّما تتحقّق بجعل الجاعل، فهذا
التحقّق و التكون و التبرز- و ما شئت فسمه- أمر خارج عن نفسها، مترشّح من فاعلها و
خالقها، فالماهية كما تحتاج في حدوثها إلى المؤثّر المكون المحقّق كذلك في بقائها،
فإن التكوّن الجائي من قبل الجاعل لا يصير ذاتيا لها بعد الحدوث حتى ينقطع حاجتها
إليه.
و
منه يبطل السؤال المشهور عن التأثير، و أنه أمّا في الوجود الحاصل فهو تحصيل
الحاصل المحال، و أما في الوجود الجديد فيكون التأثير في أمر جديد، فلم يثبت
التأثير في الباقي. وجه البطلان: أنّ التأثير في بقاء ذلك الوجود السابق، و أثر
الجعل هو البقاء، فإنّ الماهية المتحقّقة لا اقتضاء لها لتحقّقها في الآن الثاني،
فتفتقر فيه إلى مؤثّر يبقي تحقّقها الأول بحاله. و لعلّ ما قيل:
من
اختيار الشق الأول من السؤال، و أن التاثير في الوجود الأول لكن في الزمان الثاني،
و هذا تحصيل للحاصل في الزمان الاول، في الزمان الثاني، يرجع إلى ما قررنا.
ثم
لا ينبغي للباحث ان يتوهّم- كما توّهم[1]-
أن استمرار الوجود الأول إمّا حاصل قبل هذه الحالة، و إما ليس بحاصل، فعلى الأول
يلزم تحصيل الحاصل، و على الثاني يلزم التأثير في الأمر الجديد ضرورة أن إبقاء
الوجود الأوّل لا يعدّ من التأثير في الجديد.
هذا
و إن شئت وضوح ما قلنا فاعتبر كيفية الصور المرتسمة في ذهنك، فإنّها كما يستحيل
حدوثها من غير الالتفات و التوجّه، كذلك يمتنع بقاؤها مع الغفلة و الذهول.
و
يمكن ان نختار الشق الثاني و نقول: إنّ أثر التأثير هو الوجود الثاني على سبيل
الاتّصال بالوجود الأول من غير انقطاع، و هذا يسمّى عند العرف بالاستمرار، فليس
فيه خلاف الفرض؛ لأنّه ليس بأمر جديد، و إنّما يلزم خلاف الفرض لو كان الوجود
الثاني منفصلا عن الوجود الأول، و لك أن تقيس المقام بضياء الكهرباء حيث يتولّد من
الطاقة الكهربائية في كلّ آن ضوءا جديدا و نورا ثانيا. و مع ذلك كان الوجودات
المتلاحقة عندهم استمرارا و بقاء كما لا يخفى.
تكميل
و تطبيق
هذا
كلّه حسب كون الإمكان هو العلّة للافتقار، و أمّا بناء على سببية الحدوث، أو
شطريته أو شرطيته فيلزم كون الممكن بعد حين الحدوث مستغنيا عن المؤثّر؛ إذ لا حدوث
بعد الحدوث الأول حتى يفتقر. و قد التزمه جماعة من القائلين بها، و قالوا: إنّه لو
جاز العدم على الواجب الوجود لبقي العالم بحاله، و مثّلوا ببقاء البناء بعد فناء
البناء.