اسم الکتاب : صراط الحق في المعارف الإسلامية و الأصول الإعتقادية المؤلف : المحسني، الشيخ محمد آصف الجزء : 1 صفحة : 24
لا يستلزم إلغاء سلطنة العقل في
إدراكاته بوجه من الوجوه.
و
ثانيا: لما عرفت من توقّف التجربة في إفادتها العلم بالأمر الكلّي على القياس
الخفي المذكور، و هو أن هذا الأمر لو كان اتّفاقيا لم يكن أكثريا أو دائميا، لكنّه
كذلك فهو ليس باتّفاقي.
و
هذا القياس عقلي لا حسّي، فإذا ألغينا حكم العقل في المعقولات فقد أبطلنا أساسا
الأحكام الحسّية و هو التجربة المذكورة، و هذا هو السفسطة.
و
بالجملة: أن الحسّ لا يمكنه الإحاطة بالقضايا الكلية أبدا؛ إذ لا يناله إلّا الأمر
الجزئي مثل: إن الضرب الواقع على زيد كان مؤلما لجزعه، و كذا الواقع على زيد و
عمرو. و كل ذلك أمور جزئية، فالحكم بأنّ كل ضرب دائما مؤلم غير داخل في سلطان
الحسّ أصلا، و لازم هذا بطلان جميع العلوم الطبيعية؛ إذ لا يترتّب الآثار المطلوبة
إلّا على تلك الكلّيات، كقول الطبيب:
كل
مرض كذائي ينفعه الدواء الفلاني مطلقا بلا اعتبار زمان مخصوص و مكان كذلك و عنصر
معين، و هكذا، فلا بدّ من قبول حكومة العقل حتى ينتظم ناموس العلوم التجربية.
و
ثالثا: لو انتهى صحّة الادراكات الحسّية إلى التجربة فقط، لما انقطع السؤال عن
انتهاء التجربة نفسها و أنها إلى ماذا تنتهي؟ و ما هو المصدق لها هل نفسها حتى
يدور؟ أو غيرها كي يبطل قولهم من رأس؟ و الانصاف أن هذه النظرية الرديئة راجعة إلى
مزعومة السوفسطائيين لا محالة.
البحث
الثاني: في الفرق بين المسائل الضرورية و النظرية: و هو من وجوه:
الأول: ما
ذكره العلامة قدّس سرّه[1] من أن
الضروري من التصوّر ما لا يتوقّف على طلب و كسب، و من التصديق ما يكفي تصوّر طرفيه
في الحكم بنسبة أحدهما إلى الآخر إيجابا أو سلبا، و المكتسب ضدّ ذلك فيهما.
أقول:
لكنه يختصّ بالأوليات من الضروريات و لا يشمل غيرها.
الثاني: ما
ذكره الفاضل المقداد[2] من أن المعلوم
ضرورة هو الذي لا يختلف فيه العقلاء، بل يحصل العلم به بأدنى سبب، و يزيفه وقوع
اختلافهم في الضروريات حتى في أوليّاتها كما سيمرّ بك في هذا الكتاب إن شاء اللّه.
و
ما ذكره صاحب الشوارق «من أن البديهي عند من يرونه بديهيا لا يقع منهم الاختلاف،