فَقالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام: إنَّ كِتابَ اللَّهِ لَيُصَدِّقُ بَعضُهُ بَعضاً، ولا يُكَذِّبُ بَعضُهُ بَعضاً، ولكِنَّكَ لَم تُرزَق عَقلًا تَنتَفِعُ بِهِ، فَهاتِ ما شَكَكتَ فيهِ مِن كِتابِ اللَّهِ عز و جل!
قالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنّي وَجَدتُ اللَّهَ يَقولُ: «فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا»[1]، وقالَ أيضاً: «نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ»[2]، وقالَ: «وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»[3]، فَمَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُ يَنسى، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُ لا يَنسى، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ؟
قالَ: هاتِ ما شَكَكتَ فيهِ أيضاً!
قالَ: وأجِدُ اللَّهَ يَقولُ: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَ قالَ صَواباً»[4]، وقالَ- وَاستُنطِقوا فَقالوا-: «وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ»[5]، وقالَ: «يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً»[6]، وقالَ: «إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ»[7]، وقالَ: «لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ»[8]، وقالَ: «نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ»[9]؛ فَمَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم يَتَكَلَّمونَ، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم لا يَتَكَلَّمونَ إلّامَن أذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وقالَ صَواباً، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّ الخَلقَ لا يَنطِقونَ ويَقولُ عَن مَقالَتِهِم: «وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ»، ومَرَّةً يُخبِرُ أنَّهُم يَختَصِمونَ، فَأَنّى ذلِكَ يا أميرَ المُؤمِنينَ، وكَيفَ لا أشُكُّ فيما تَسمَعُ؟!
[1]. الأعراف: 51.
[2]. التوبة: 67.
[3]. مريم: 64.
[4]. النبأ: 38.
[5]. الأنعام: 23، وقوله:« واستُنطِقوا» أي بقوله تعالى في الآية 22:« ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا» إلى آخر الآية.
[6]. العنكبوت: 25.
[7]. ص: 64.
[8]. ق: 28.
[9]. يس: 65.