و تصريح القرآن بأنّهم قد عصوا و تنازعوا من بعد ما كان النّصر منهم قاب قوسين أو أدنى، يُكذّب ما يدّعيه البعض: من أنّهم قد تخيّلوا انتهاء أمد أمر النّبيّ (ص) و إنّ هذا اجتهاد منهم.[2] فإنّه لو كان اجتهاداً لما كان معصيةً، مع أنّ القرآن يصرّح بالمعصية.
2. و أيضاً، فقد كان لاغترارهم بأنفسهم، و بكثرتهم، أثر كبير في حلول الهزيمة بهم. و واضحٌ أنّ الاغترار بالكثرة يفقد العناصر المشاركة شعور الاعتماد على النّفس، و يجعلهم يعيشون روح التّواكل و اللّامسئوليّة.
3. إنّ الله تعالى ما زال يؤيّد المسلمين بنصره، حتّى عصوا الرّسول (ص) طمعاً في الدّنيا و إيثاراً لها على الآخرة؛ فكان لابدّ في هذه الحالة من إعادة التّمحيص لهم، و ابتلائهم، ليرجعوا إلى الله تعالى، و ليميز الله المؤمن من المنافق، و ليزداد الّذين آمنوا إيماناً، لأنّ الإنسان ربّما يغفل عن حقيقة العنايات الإلهيّة، و الإمدادات الغيبيّة، حين يرى الانتصارات تتوالى، فينسب ذلك إلى قدرته الشّخصيّة.
و لأجل ذلك نجد: أنّهم حين غُلبوا شكوا في هذا الأمر و قالوا: «هل لنا من الأمر من شىءٍ»؟ فجاءهم الجواب القاطع: «قل إنّ الأمر كلّه للّه». ثمّ، لابدّ إذاً من إعادتهم إلى الله تعالى، و تعريفهم بحقيقة إمكاناتهم، و قَدَراتهم.
4. و إنّ الانضباطيّة خصوصاً حين يكون القائد حكيماً، فكيف إذا كان نبيّاً هي أساس النّجاح، و لربّما تكون مخالفة أفراد معدودين سبباً في دمار جيش بكامله، كما كان الحال في قضيّة أحد.