و نريد أن نشير هنا إلى أن الهداية التشريعية قد جاءت في سياق الهدايات الأخرى، لتؤكدها، و لتركز مضامينها، و تستجيب لمقتضياتها، فدورها ليس سوى الإرشاد و الدلالة إلى ذلك، و لا شيء أكثر من هذا ..
فمن لم تستيقظ فطرته، و تتعرف على مقتضياتها التي تسانخها، بل بقيت منفصلة عنها، بإملاءات الغرائز، و الأهواء. و الشوائب، و الأغشية العازلة التي صنعتها المعاصي و غيرها، فإن سبيله الذي سيتخذه هو الجحود .. و سيجنّد العقل و كل ما يملكه في خدمة تلك الغرائز، فيمتثل أوامرها، و يلبي حاجاتها .. و يكون وسيلة دفاع عن كل انحرافاتها ..
فإذا ما كسرت شرته، بالمعجزة القاهرة، فإنه سيندحر و يأرز في حجره .. و لكنه يبقى بانتظار الأوامر التي تصدرها له تلك الغرائز و الأهواء، لأنه قد فقد السميعية و البصيرية، و أصيبت فطرته بالضعف و الضمور، و ألمت بها عاهات ذهبت بقوتها، و أبطلت حركتها، أو ألمت بها تشوهات جعلت حركتها باتجاهات خاطئة، و منحرفة.
و هذا ما يفسر لنا استجابة الإمام علي [عليه السّلام]، و خديجة، و أبي طالب، و جعفر، و حمزة للهدايات الإلهية، من دون حاجة إلى رؤية المعجزة، بل بتلمس فطرتهم للحق و الدين، و إدراكهم الوجداني لمزاياه، و إحساسهم العميق بانسجامه مع واقع الخلق و التكوين، و حقائق الوجود، و مع الفطرة الصحيحة .. مما يجعل من كل هذه المخلوقات منظومة واحدة، تسير باتجاه واحد، وفقا للهداية الإلهية للخلق و للوجود بكل ما و من فيه ..
كما أن هذا يفسر لنا النهج القرآني، و البيان البرهاني، لأمور العقيدة