بعد البناء على أنّ العلم الإجمالي كالتفصيلي يقتضي التنجيز، فلا تكون رتبة الجعل الظاهري محفوظة بالنسبة إلى جميع الأطراف.
فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّ عدم انحفاظ رتبة الحكم الظاهري يكون لأحد أمور:
إمّا لانتفاء الموضوع، و ينحصر ذلك في أصالة الإباحة عند دوران الأمر بين المحذورين.
و إمّا لقصور المجعول عن شموله للأطراف كما في الأصول التنزيليّة، سواء كانت نافية للتكليف المعلوم بالإجمال أو مثبتة له.
و إمّا لعدم إمكان تطبيق العمل على المؤدّى كما في الأصول الغير التنزيليّة النافية للتكليف المعلوم بالإجمال، كأصالة الإباحة و البراءة عند العلم بوجوب أحد الشيئين.
و أمّا إذا كانت مثبتة للتكليف المعلوم فلا مانع من جريانها كما في أصالة الحرمة في باب الدماء و الفروج و الأموال [1] عند العلم بحرمة إراقة دم أحد الشخصين أو حرمة إحدى المرأتين أو المالين و حلّية الآخر، فانّ أصالة الحرمة في كلّ من الشخصين و المرأتين و المالين تجري من دون أن يلزم منها مخالفة عمليّة لأنّ مؤدّاها موافق للمعلوم بالإجمال. هذا كلّه بحسب مقام الثبوت و الجعل.
و أمّا بحسب مقام الإثبات فأدلّة الأصول العمليّة بقسميها من التنزيليّة و غيرها تشمل أطراف العلم الإجمالي، لما عرفت من أنّ الأصول إنّما تجري في الأطراف، و كلّ واحد من الأطراف مجهول الحكم، فيشمله قوله عليه السلام «لا تنقض اليقين بالشكّ»، و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم «رفع
______________________________ [1] أقول: لا نرى لأصالة الحرمة مدركا غير استصحاب عدم الحلّ في الأموال و غيرها، فمع العلم بالانتقاض في أحد الطرفين يجيء ما ذكرت من الإشكال، و لو كان لنا أصل آخر فعليه بالبيان.