بوجوب أحدهما، فالفرق بين أصالة الإباحة و سائر الأصول ممّا لا يكاد يخفى.
فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ إشكال انتفاء الموضوع ينحصر بأصالة الإباحة في خصوص مقام دوران الأمر بين المحذورين، دون ساير الأصول في ذلك المقام، و دون مطلق الأصول في غير ذلك المقام.
نعم: في خصوص الأصول التنزيليّة المحرزة كالاستصحاب جهة أخرى غير انتفاء الموضوع تمنع عن جريانها في أطراف العلم الإجمالي، و هي قصور المجعول فيها عن شموله لأطراف العلم الإجمالي.
و توضيح ذلك: هو أنّ المجعول في الأصول التنزيليّة- على ما عرفت- إنّما هو البناء العملي و الأخذ بأحد طرفي الشكّ على أنّه هو الواقع و إلقاء الطرف الآخر و جعل الشكّ كالعدم في عالم التشريع، فانّ الظاهر من قوله عليه السلام في أخبار الاستصحاب: «لا تنقض اليقين بالشك» هو البناء العملي على بقاء المتيقّن و تنزيل حال الشك منزلة حال اليقين و الإحراز، على ما سيأتي توضيحه في محلّه.
و هذا المعنى من الحكم الظاهري في الشبهات البدويّة الغير المقرونة بالعلم الإجمالي يمكن جعله، و كذا المقرونة بالعلم الإجمالي لكن بالنسبة إلى بعض الأطراف. و أمّا بالنسبة إلى جميع الأطراف، فلا يمكن مثل هذا الجعل، للعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف و انقلاب الإحراز السابق الّذي كان في جميع الأطراف إلى إحراز آخر يضادّه [1] و معه كيف يمكن الحكم ببقاء الإحراز السابق في جميع الأطراف و لو تعبّدا، فانّ الإحراز التعبّدي لا يجتمع مع
______________________________ [1] أقول: الّذي انتقض إنّما هو العلم بطهارة أحدهما، و إلّا فالعلم بطهارة كلّ عنوان تفصيلي ما انتقض أبدا. و لئن شئت قلت: بأنّ ما نحن فيه من قبيل انتقاض العلم بطهارة أحدهما، لا انتقاض أحد العلمين بالطرفين تفصيلا، بل العلم بطهارة كلّ منهما ممّا شكّ في بقائه بلا انتقاضه بعلم آخر، فتدبّر.