منع توكيل المقلّد العالم بمسائل القضاء عن تقليد لذلك؛ لإطلاق أدلّة الوكالة، فللمقلّد البصير أن يقضي في المسائل و الدعاوي بنحو الاستقلال وكالة عن الفقيه.
و يمكن أن يستدلّ له مضافاً إلى إطلاق أدلّة الوكالة بحديث اللصّ الذي نقله عبد اللّه بن طلحة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «اقض على هذا كما وصفت لك»[1].
أقول: أدلّة التوكيل قاصرة عن إثبات قابليّة المحلّ بعد إثبات أنّ العمل ليس بمكانة حتّى يصدر من كلّ أحد، كما قال المحقّق العراقي رحمه الله[2]. و أمّا الحديث كما قلناه، يحتمل احتمالات تضعّف التمسّك به للمقام مضافاً إلى ضعف سنده و أنّه نفس هذه القضيّة نقلت في رواية عبد اللّه بن سنان بسند معتبر دون قوله عليه السلام: «اقض هذا كما وصفت لك.»[3] و يأتي البحث في المسألتين الرابعة و العاشرة تفصيلًا.
و بالجملة: فحاصل ما ذكرناه بطوله أنّ القضاء منصب خاصّ للَّه تعالى و الرسول و الأئمّة عليهم السلام أوّلًا و بالذات و ثبوته لغيرهم يحتاج إلى دليل، و الأصل عدم نفوذه إلّا ممّن ثبت له في عصر الغيبة و هم الفقهاء المجتهدون لكن لا بالمعنى المعهود في عصرنا الراهن بل بمستوى من كان قابلًا للقضاء و الإفتاء في عهد الرسول صلى الله عليه و آله و الأئمّة عليهم السلام. و كذلك الاحتياط العقلي و الشرعي في الدماء و الأعراض و الأموال يقتضي عدم نفوذ حكم غير المجتهد الجامع لشرائط القضاء خصوصاً في المحاكم العالية و القضاء في المسائل المستحدثة التي يكون الحكم فيها منوطاً بالاستنباط الاجتهادي و لا تكون تلك الأحكام مدوّنة في الكتب القانونيّة، و إن قيل بعدم اشتراط الاجتهاد، يلزم أن يكون القاضي في هذه المجالات مجتهداً جامعاً للشرائط.
هذا كلّه عند وجود المجتهد، و أمّا إذا لم يوجد قضاة مجتهدون، أي في ظرف
[1]- وسائل الشيعة، الباب 23 من أبواب قصاص النفس، ح 2، ج 29، ص 62.