بل قد تكون مراسلة و أمراً و نهياً و نحو ذلك، ممّا يكون فيه زيادة و نقيصة و تغيير و تبديل؛ كما يوجد الآن في الكتبة للملوك. فالمراد حينئذٍ إذا اتّخذ القاضي كاتباً معتمداً عليه في الكتابة التي قد يشتغل عن ملاحظتها، يجب أن يكون بهذه الأوصاف فإنّه أحد الأمناء.»[1] أقول: حيث إنّنا نعلم، كم هي عظيمة فوائد السجلّات و الكتابة و الضبط حتّى الرقم و التاريخ و ما يستدعي ذلك من إيجاد دائرة خاصّة لهذا الأمر، تتألّف من رئيس و معاون يساعده على تمشية الأمور، بل نعلم جيّداً كم لمثل تلك الأمور من آثار في حفظ الأحكام، فإذا كان القضاء و حفظ النظام و منع الفوضى واجباً و بمثل تلك الأهميّة، و أنّه لا يمكن أن يتحقّق بدون مثل تلك المقدّمات، فعليه تكون النتيجة ضرورة وجوبها من باب وجوب المقدّمة بوجوب تاليها. و أنّه ينبغي أن نضع في حسابنا كم من دور فعّال يقوم به كتّاب الضبط و موظّفي مكاتب المحاكم في حفظ الأمانات و الأموال المودعة عندهم.
و ذلك يعني أنّهم لو لم يكونوا أمناء و لا عدولًا، لكانت النتيجة اختلال الأمور كلّها.
و ينبغي أخيراً أن ننقل ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر النخعي رضى الله عنه: «ثمّ انظر في حال كتّابك، فولّ على أمورك خيرهم ... ثمّ لا يكن اختيارك إيّاهم على فراستك و اسْتِنامَتِك و حسن الظنّ منك. فإنّ الرجال يتعرّضون لفراسات الولاة بتصنّعهم و حسن خدمتهم و ليس وراء ذلك من النصيحة و الأمانة شيء و لكن اختبرهم بما ولّوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثراً و أعرفهم بالأمانة وجهاً، فإنّ ذلك دليل على نصيحتك للَّه و لمن ولّيت أمره، و اجعل لرأس كلّ أمر من أمورك رأساً منهم لا يقهره كبيرها و لا يتشتّت عليه كثيرها. و مهما كان في كتّابك من عيب فتغابيت عنه أُلزِمتَه.»[2]