القضاء في الإسلام، و لا شكّ بأنّها كثيرة جدّاً. و هي بلا ريب تدلّ على وجوب التبعيّة و القبول و حرمة النقض، و إلّا لكان الأمر لغواً كما أنّ العقل، يحكم بداهةً أنّ القضاء لازم في المجتمع البشريّ، و لولاه لما كان من الانتظام في أمور المجتمع، و بسط العدل و إحقاق الحقّ عين و لا أثر.
و لازم ذلك أن يكون حكم القاضي متّبعاً مطاعاً، و إلّا لاختلّت الأمور، و ما أمكن للخصومات أن ترتفع؛ لأنّه لو لم يكن الأمر كذلك، لكان لازمه أنّ القاضي كلّما حكم و قضى برفع الخصومة، صار معرّضاً لردّه من قبل أحد الطرفين؛ و هذا لا شكّ يؤدّي إلى الفوضى و عدم الاستقرار. كذلك، فإنّ بناء العقلاء في المجتمعات البشريّة، و السيرة القطعيّة بين المسلمين تدلّ على لزوم القضاء في المجتمع البشري، و لم يدّع أحد جواز عكس ذلك، فلا نطيل هنا بأكثر من هذا.
نعم، هنا كلام للمحقّق الرشتي رحمه الله و حاصله عدم إمكان نقض الحكم عقلًا فلا بأس بذكره. و ملخّص كلامه أنّ حرمة النقض لا تحتاج في إثباتها إلى دليل آخر، كحرمة الردّ و أمثالها، فنفس الدليل الذي يلزمنا بالرضا و قبول حكم القاضي، يتّضح مفاده هنا، مع الالتفات إلى حقيقة الحكم و حقيقة النقض؛ لأنّ الحكم عبارة عن فصل الخصومة، و ما الفصل بعد الفصل إلّا كفصل الحبل بعد فصله؛ فكما لا يمكن هناك لا يمكن هنا؛ فإذا جعل دليل صحّة القضاء حكم الفصل معتبراً، فلا معنى لفصل آخر[1] و فيه ما لا يخفى.
و الحاصل أنّا قد ذكرنا في الأمر الأوّل أقوال الفقهاء و ما هو المختار عندنا في تلك الصور، فهو بعينه مختارنا هنا.
نعم، لو تبدّل رأي القاضي برأي آخر، فكلّ ما حكم به في السابق و عمل به قبل تبدّل الرأي، فصحّته مبنيّة على المختار في باب الإجزاء. و ما لم يعمل به بعد، فلا بدّ له أن يغيّر